على مسرح قرطاج...من المايسترو إلى البساط الأحمر: مغامرة فنية بلا حدود

الرؤية المصرية:--في ثاني عروض الدورة التاسعة والخمسين من مهرجان قرطاج الدولي، مدّ الفنان رياض الفهري على الركح الأثري بساطًا فنيًا لا يعترف بالحدود، اختار له اللون الأحمر بما يحمله من دلالات العاطفة والحب والحياة.

اقرأ ايضأ:-

عرض "البساط الأحمر 2" هو امتداد لمغامرة موسيقية سابقة تحمل الاسم نفسه، تنسج بخيوط الألحان والألوان لوحة فنية تجمع ثقافات العالم، وتشكل رحلة حسية ساحرة تأخذ الجمهور في جولة بين تراث إنساني متنوع.

بداية الرحلة: من المايسترو إلى البساط الأحمر

قبل انطلاق هذه الرحلة الموسيقية، طالع الجمهور مقتطفات من مسلسل "المايسترو"، وهو عمل من فكرة وموسيقى رياض الفهري، وسيناريو عماد الدين حكيم، وإخراج الأسعد الوسلاتي. المسلسل يروي قصة تأثير الموسيقى في نفسيات ووعي الأطفال في مراكز الإصلاح، ليجسد مقولة "وحدها الموسيقى قادرة على تغيير العالم". هذه العبارة اختصرت جوهر العرض الذي تبع، حيث امتزجت الأنغام التونسية مع الإسبانية والإيطالية وموسيقى الكانتري، لتشكل مساحة رمزية تذوب فيها الحدود بين الثقافات.

كرنفال موسيقي عابر للقارات

مع تواتر اللوحات الفنية على الركح، تحول العرض إلى كرنفال حيّ، وسفر حسي عبر الزمن والجغرافيا. تقاطعت فيه الإيقاعات والنغمات، وتشابكت الألوان الصوتية من أقصى الشرق إلى سيسيليا الإيطالية. في توليفة فنية تسعى لكسر الحواجز بين الأنماط الموسيقية، خلق العازفون والمغنون مساحة مشتركة للاحتفاء بالجماليات الإنسانية. اعتمد رياض الفهري على ثنائيات موسيقية، حيث تتحاور آلات مثل الكمان، الناي، الترومبات، القانون، والدرامز، لتخلق حوارًا فنيًا يأسر الجمهور حتى اللحظة الأخيرة.

رؤية كونية للفن 

من خلال "البساط الأحمر 2"، قدّم الفهري رؤية خاصة لفكرة الكونية الفنية. لم يكتفِ باستحضار أنماط موسيقية من الشرق والغرب، بل أعاد تركيبها ضمن إطار إبداعي جديد. صدحت الأصوات بالغناء بأكثر من لغة ولهجة، من العربية إلى الإسبانية والإيطالية والإنجليزية والعامية التونسية. ومن بين الاستعادات العالمية، برزت أغنيتا "سيدي منصور" و"ما أحلى ليالي إشبيلية" في توزيع جديد أنعش روحها دون أن يفقدها أصالتها، ليستقبلها الجمهور بحماس وتفاعل. 

تنوع موسيقي في انسجام 

انتقل العرض بسلاسة بين أنماط موسيقية متنوعة، من الموسيقى التونسية إلى الفلامنكو الإسباني، ومن الجاز الأمريكي إلى الكانتري، مرورًا بأنغام المتوسط. هذا التنوع شكّل انصهارًا فنيًا أسر الجمهور، وجسد شعار المهرجان "تاريخ يتحكّى، فنّ يتعاش". كل لوحة موسيقية روت تاريخًا خاصًا، وشكلت حياة بذاتها، بمشاركة عازفين من تونس ومن بلدان أخرى مثل ساياكا كاتسوكي من اليابان، وبرينان جيلمور من الولايات المتحدة، ومارسيلو بيوندوليلو من إيطاليا. 

لحظات إبداعية فريدة

في تجربة لافتة، قدّمت "Orchestra Playtoys" ألحانًا باستخدام آلات هي في الأصل ألعاب أطفال، لتحمل الجمهور إلى عوالم الطفولة، مؤكدة أن الإبداع يحافظ على براءته الأولى. وفي لحظة مؤثرة، رفرف رايتا تونس وفلسطين على الشاشات مع أغنية "إسراء تحلم بفلسطين" للمغنية إسراء بن سليمان، التي جسدت حلم القدس والزيتون الشامخ بلحن وكلمات عاطفية. 

لوحة بصرية وسمعية 

لم يقتصر العرض على الجانب السمعي، بل شكّل أيضًا لوحة بصرية بفضل الإضاء Fallout: The Musicalضاءة المدروسة والإخراج الركحي الديناميكي. تفاعل العازفون مع الجمهور في ارتجال فني، بينما أظهر رياض الفهري براعته كمؤلف موسيقي قادر على إدارة حوار بين ثقافات متعددة، محافظًا على تماسك العرض من حيث البناء اللحني والإيقاعي رغم تنوع المصادر. 

تفاعل الجمهور 

كان جمهور قرطاج شريكًا في هذه التجربة، حيث تفاعل مع كل انتقال لحني وكل دخول لآلة أو صوت جديد. العرض، بتأملاته الجمالية العميقة، شكّل مساحة لقاء وتبادل، حيث مثلت الموسيقى جسراً بين الشعوب، وحلماً مشتركاً بالانفتاح والإبداع.