مهرجان أوسو: سيمفونية التراث والفرح على شواطئ سوسة

الرؤية المصرية- تونس- سوسة- كتب: عوض سلام// في قلب جوهرة الساحل التونسي، مدينة سوسة، حيث تتعانق أمواج المتوسط مع نسمات التاريخ، تتألق سهرة 26 يوليو 2025 في مرسى القنطاوي بشط أبو جعفر، لوحة فنية تجمع بين التراث والبهجة.

مهرجان أوسو: سيمفونية التراث والفرح على شواطئ سوسة

انطلقت تلك الليلة المباركة بزفة عروس ليبية ساحرة، عرضتها فرقة محمود العجيلي للموسيقى الفولكلورية انبثقت من بوابة المرسى كالنور الذي يشق ظلمات البحر، لتملأ الشوارع ألقًا وحياة. مئات الأقدام رافقت الزفة، ثم آلاف التقت عند المنصة، حيث عزفت الفرقة الليبية لحنًا شعبيًا أيقظ في النفوس شغف الاحتفال. 

ولم تكد الأنظار تستكين، حتى أطلت فرقة "النجمة الذهبية" الجزائرية، فأذهلت الجموع بعرض راقص استعراضي، كأنما تراقصت فيه أرواح الأجداد مع نبض الحاضر. وكعادة سوسة، التي لا تكتمل لياليها إلا بوميض السماء، اختتمت السهرة بانفجار الشماريخ فوق مرسى القنطاوي، تتألق كالنجوم في سماء صيفية، ونحن نشاهدها من ظهر سفينة تحملنا عبر أحلام البحر. 

مهرجان أوسو، هذا الكرنفال العريق الذي أسسه المرحوم عبد الحفيظ بوراوي ومحمد زرقاتي عام 1958، ليس مجرد احتفال، بل هو ملحمة ثقافية تحتفي بالإنسان والأرض. يروي وليد بن حسين، رئيس جمعية استعراض أوسو، أن المهرجان ولد كموسم فلاحي يجتمع فيه أهل الساحل من القيروان وسواها، على بعد مئات الكيلومترات، ليتبادلوا ثمار الأرض من غلال وخضروات، في موسم يُدعى بالأمازيغية "أوسو"، أي الحرارة.

اقرأ ايضأ:-

ومنذ ذلك الحين، تطورت هذه اللوحة الفلاحية إلى كرنفال عالمي، مستوحى من إله البحر بوسيدون، تجسدت فيه شخصية "بابا أوسو" المسرحية، المستلهمة من لوحات الفسيفساء التي تزين متحف سوسة، لتصبح رمزًا للتراث والإبداع. 

في دورته الثانية والستين عام 2025، يواصل أوسو تألقه كأحد أقدم المهرجانات التونسية، رغم توقفه ثلاث سنوات لظروف استثنائية. يفتح أبوابه مجانًا للجميع، في ساحات عامة تضج بالحياة، حيث تتسابق العربات الرمزية التي تمثل الفلاحة، السياحة، الاقتصاد، والتكنولوجيا، لتعكس تنوع الولايات التونسية الأربع والعشرين.

إنه مهرجان اقتصادي يحرك عجلة التجارة، وسياحي يجذب الزوار من كل حدب، وثقافي يروج للفنون الشعبية، وترفيهي يزرع الابتسامة على وجوه الأهالي. 

وما يميز أوسو هو منصته "طريق النجوم"، التي تُطلق مواهب الشباب إلى آفاق العالمية. فنانون مثل محمد علي الشلالي وإسكندر الزرن وجدوا فيه خشبة مسرح تتسع لأحلامهم، يغنون أمام مئات الآلاف، فيُضفون على المهرجان روح الشباب والإبداع.

وكما يروي وليد بن حسين، فإن عرض الشماريخ الضخم في 2025، الذي بلغ حوالي طنًا من الألعاب النارية، كان الأكبر في تاريخ المهرجان، متزامنًا مع احتفالات عيد الجمهورية في 25 يوليو، ليؤكد الطابع الوطني الفريد لسوسة. 

مهرجان أوسو هو لوحة حية ترسمها أيادي الفلاحين، الفنانين، والشباب، على إيقاع أمواج المتوسط. إنه دعوة للسياح ليكتشفوا سحر سوسة، وللأجيال لتتعلم فنون الإبداع، وللعالم ليشهد كيف تحتفل تونس بتراثها.