جاء هذا النفي في بيان رسمي، وسط اتهامات متبادلة بين البلدين بانتهاك وقف إطلاق النار الذي توسط فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مما أدى إلى مقتل 24 شخصًا هذا الأسبوع ونزوح مئات الآلاف على جانبي الحدود البالغ طولها 817 كيلومترًا.
أصدرت الوزارة الكمبودية بيانها عبر صحيفة "خمير تايمز"، مشددة على أن التقرير المنشور في جريدة "ثايراث" التايلاندية "لا أساس له من الصحة"، ويبدو جزءًا من حملة تضليل متعمدة لتبرير الهجمات التايلاندية الجوية والمدفعية.
"هذه الإدعاءات الكاذبة تهدف إلى صرف انتباه الرأي العام عن انتهاكات تايلاند للقانون الدولي، بما في ذلك استهداف المدنيين"، أكدت الوزارة، مطالبة بانتهاك الجانب التايلاندي لنشر معلومات "مضللة عمدًا".
وفقًا لتقارير من "الجزيرة"، نفت كمبوديا أيضًا اتهامات باستخدام مقاتلين أجانب أو طائرات بدون طيار "FPV" في الاشتباكات، معتبرة إياها "دعاية" من صفحة الجيش التايلاندي الثانية على فيسبوك.
يأتي هذا التصعيد في سياق تجدد القتال بعد أسبوع من الهدوء نسبي، حيث شنت تايلاند هجمات جوية بطائرات "إف-16" يوم الخميس الماضي، مما أسفر عن تدمير مواقع عسكرية كمبودية في محافظة "تشونغ أن ما"، حسب بيان الجيش التايلاندي. ردت كمبوديا باتهام تايلاند بـ"اعتداءات وحشية" على المدنيين في محافظتي "أودار مينشي" و"براه فيهار"، حيث قُتل أربعة مدنيين كمبوديين على الأقل، وفقًا لوزارة الإعلام الكمبودية.
وأفادت "سي إن إن" بأن الاشتباكات بدأت يوم الأحد الماضي بمناوشة أدت إلى إصابة جنديين تايلانديين، مما انتهك وقف إطلاق النار الذي أنهى حربًا دامت خمسة أيام في يوليو الماضي، والتي أسفرت عن مقتل 48 شخصًا ونزوح 300 ألف آخرين.
من التفاصيل الأعمق، يعود النزاع إلى خلافات إقليمية تعود جذورها إلى القرن الماضي، عندما رسمت فرنسا الحدود أثناء احتلالها كمبوديا حتى عام 1953، مما أثار نزاعات متكررة حول معابد مثل "براه فيهار" و"تا مو"، التي أقرت محكمة العدل الدولية ملكيتها لكمبوديا في 1962.
في النزاع الحالي، اتهمت تايلاند كمبوديا باستخدام مدافع "بي إم-21" السوفييتية الصنع، التي تصل مداها إلى 40 كيلومترًا، لقصف مناطق سكنية قرب قاعدة "أنوبونغ"، بينما نفت كمبوديا ذلك وأشارت إلى أن تايلاند نشرت دبابات وطائرات "غريبن" السويدية الصنع.
وفقًا لمعهد "جينز" البريطاني للمعلومات الدفاعية، تمتلك كمبوديا ست منصات "بي.إتش.إل-03" فقط، بمدى يصل إلى 130 كيلومترًا، مقارنة بقوتها العسكرية الأضعف من الجانب التايلاندي، الذي يمتلك أكثر من 48 مدفعًا من طراز "بي إم-21".
على الصعيد الإنساني، أدى التصعيد إلى نزوح حوالي 600 ألف شخص منذ تفكك اتفاق السلام في أكتوبر، حيث أقامت مخيمات مؤقتة في محافظتي "أودار مينشي" الكمبودية و"سورين" التايلاندية، مع تقارير عن إصابات من ألغام أرضية تعود إلى عصر "الخمير الحمر" في الثمانينيات.
"نحن نعيش في خوف دائم، الرصاص يسقط كالمطر"، يروي أحد اللاجئين الكمبوديين في تصريح لـ"نيويورك تايمز" من مخيم "تشونغ كال". كما أدى النزاع إلى إغلاق الحدود وإجلاء مواطنين من البلدين، مع تحذيرات من انتشار القتال إلى سبع محافظات تايلاندية.
رغم التوتر، أعلن رئيس الوزراء التايلاندي أنوتين شارنفيراكول، في خطاب تلفزيوني، عن عدم رغبة بلاده في الحرب، وأكد على استمرار الاتصالات مع ترامب لإنقاذ الاتفاق. من جانبها، أعادت كمبوديا تسليم جثث 12 جنديًا تايلانديًا كإشارة إلى "احترام ساحة المعركة"، حسب "رويترز".
ومع ذلك، يحذر خبراء مثل ريضوان رحمان من "جينز" من أن الدعاية الإعلامية قد تؤجج النزاع، خاصة مع صور أقمار صناعية تظهر تعزيزات دفاعية كمبودية منذ مارس الماضي، بما في ذلك بناء حصون وطرق وصول قرب "ترابيانغ كول".
في ظل هذا التصعيد الذي يهدد الاستقرار الإقليمي في جنوب شرق آسيا، يبرز دور الوسطاء الدوليين كترامب وماليزيا والصين، الذين توسطوا سابقًا.
هل تنجح هذه الجهود في إعادة الهدوء قبل أن يتحول النزاع إلى حرب شاملة، أم أن الدعاية المتبادلة ستغرق المنطقة في فوضى جديدة؟ الإجابة تكمن في الخطوات القادمة، لكن اليوم، يظل السلام معلقًا بخيط رفيع.