عرض "طلقة الرحمة" لم يتجاوز الخمسين دقيقة قال فيها الجسد ما لا يمكن أن يقوله النص المنطوق لأن الجسد حمّال أوجاع وندوب علاوة على تمكّنه من تلك اللغة الكونيّة التي لا تحتاج إلى ترجمان يشرح مفرداته، لغة تسندها الموسيقى (وهي بدورها لغة كونيّة) في ضبط إيقاعه الصارخ بالألم والرافض لكلّ أشكال العنف وفي تخبّطه بين المقاومة ومسايرة الوضع الراهن ...
ضمن هذا السياق كان الجسد بطل العرض بامتياز في تعبيره عن تلك المرحلة/الزمن التي يمرّ بها القتيل عقب الموت مباشرة بما أنّ العرض بُني على ما أعلنته منظّمة الصحّة العالمية سنة 2014 بأنه عند الموت يظل دماغ الإنسان يعمل لمدّة تقارب السبع دقائق ـ
حسب تقارير علميّة موثّقة ـ هذه الدقائق السبع حكى خلالها إنسان عراقي (مُمثّلا في أجساد الراقصين) وقع اغتياله بطلقة أصابت الدماغ أحداثا حقيقيّة وبقايا ذاكرة، معاناة كبيرة ووجع عميق يتخبّط فيه الجسد بإيقاع تصاعدي، يتلوّى وينتفض يحاول الصمود بتحامل مُثخن بالدماء لكنّه يسقط صريعا في النهاية...
يتكرّر المشهد (اللّوحة) بتعاقب وبحركة دائرية وينتهي بنفس الحركة وكأننا أمام آلة حرب مدمّرة وعمياء تحصد كلّ ما هو متحرّك على الأرض، يأتي كلّ هذا على إيقاع موسيقى متلوّنة منسجمة تماما مع حركة المؤدّين (الراقصين) فهي أحيانا محفّزة على الفعل عندما يحاول البعض تسلّق الجدار (في خلفية الركح) كمحاولة للهروب من ذلك الصراع الطاحن، وأحيانا صاخبة رافضة للقتل/الحرب وأحيانا أخرى جنائزية عندما يُرفع جسد القتيل على الأعناق أو لحظة التعازي وحركة اللطم الجماعي (طقس شيعي)...
لم تُفتح أفواه المؤدين طيلة العرض سوى مرّة واحدة وكان ذلك فقط لإطلاق صرخة جماعية مدوّية رافضة للقتل المجاني الذي حصد الكثير من الأرواح، أرواح كانت مفعمة بالحب والحياة تحلم وتسعى للبناء.
لقد عمد المخرج إلى تحرير عمله من الخطاب/النص ليطلق العنان للجسد فيكون هو الدّال والمدلول في وقوفه ضدّ الموت الجائر لكلّ الموجودين على الأرض ويسرد أحداثا ملحمية تكشف المستور وتهدف لتغيير قوانين دمّرت الإنسان والإنسانية.
ينتهي العرض بحفنة رمل في أيدي كلّ المؤدين ونثرها على أرضيّة المسرح في إشارة إلى تحويل أرض صحراوية قاحلة إلى مرج أخضر(المستقبل) وهي خلاصة محمد مؤيد أو أمله لتخليص عراقه من طلقة الرحمة.