كانت السهرة بمثابة رحلة موسيقية متنوعة، نقلت الجمهور بين إيقاعات البوب المعاصرة وأعماق الإنشاد الصوفي، في تناغم فني يعكس غنى الهوية التونسية وتعدد روافدها.
سوداني: صوت البوب التونسي الجريء
افتتحت الفنانة الشابة "سوداني" السهرة بحضور طاغٍ وصوت دافئ، مؤكدة مكانتها كمشروع فني واعد يحمل رؤية موسيقية متميزة. قدّمت عرضًا ديناميكيًا مزج بين البوب، الديسكو، والفانك، مدعومًا بإيقاعات تونسية محلية وطاقة أنثوية جريئة.
منذ انطلاقتها مع أغنيتها الأولى "ماذا بيا؟" عام 2021، استطاعت سوداني أن تثبت حضورها من خلال أسلوب يستلهم من السينما والشعر والواقع اليومي، معادةً صياغة الأغنية التونسية برؤية عصرية.
اقرأ ايضأ:-
في هذه السهرة، قدمت أغنية جديدة من ألبومها الأول المرتقب، المقرر إصداره بنهاية 2025، مما أثار تفاعلًا كبيرًا من الجمهور.
وعبرت سوداني عن فخرها بالوقوف على ركح الحمامات، قائلة: "هذا المسرح حلم كل فنان تونسي، ووجودي هنا يعني لي الكثير". وأكدت أن هدفها هو تقديم "أغنية تونسية عالمية" تعبر عن تنوع تأثيراتها الموسيقية وتجذرها في الهوية المحلية.
"جذب": رحلة صوفية عبر "وليا"
بعد العرض النابض بالحياة لسوداني، خيّم هدوء مهيب على المسرح مع دخول الثنائي "جذب"، المكون من مريم حمروني ومحمد برصاوي، لتقديم عرضهما "وليا".
استلهم العرض من الإنشاد الصوفي والمدائح المغاربية، حيث قدّمت مريم بصوتها العذب أداءً مؤثرًا شمل "نادو لباباكم يا فقرا"، "يا شاذلي يا بلحسن"، و"نمدح الأقطاب"، واختتمته بترنيمة "نكبة" التي استحضرت آلام الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال.
فيما أبدع برصاوي في خلق خلفيات إلكترونية دقيقة، مزجت بين التراث والحداثة، لتتحول اللحظات إلى جلسة روحية جماعية تأملية.
وأوضح الثنائي أن فلسفة "وليا" تقوم على إعادة تخيّل التراث، وليس مجرد إعادة إنتاجه. وأكدا أن "من حق الفنان أن يعيد صياغة تراثه بطريقته الخاصة لضمان استمرارية الإبداع الفني".
تقاطع فني يعكس الهوية التونسية
رغم التباين بين عرضي "سوداني" و"جذب"، إلا أن السهرة حملت وحدة فكرية وفنية تجسدت في السعي نحو تحرير الأغنية التونسية من القوالب التقليدية. اختارت سوداني البوب للتعبير عن الهوية الفردية المعاصرة، بينما اتخذ "جذب" الإنشاد الصوفي بوابة لاستعادة الذاكرة الجماعية والروحية. هذا التقاطع بين الحداثة والتراث خلق تجربة موسيقية متكاملة، عكست غنى المشهد الفني التونسي.
ليلة أخرى من الإبداع
وللتذكير، يواصل مهرجان الحمامات الدولي فعالياته الليلة، 18 جويلية 2025، مع عرض مسرحي بعنوان "كيما اليوم" للمخرجة ليلى طوبال. العرض، وهو إنتاج مشترك بين المسرح الوطني التونسي و"الفن مقاومة"، يروي قصة اختفاء الطفلة دنيا في ظروف غامضة، في تجربة مسرحية تمزج بين الرمزية والواقع، وتجسد رؤية طوبال في تقديم فن إنساني يحمل رسائل كونية.