وبحسب مصادر داخل حزب حركة "النهضة" فإن مجلس الشورى للحزب اتفق على منح الثقة لحكومة الكفاءات التي اقترحها هشام المشيشي بعد أن كان الرفض المطلق لحكومة بدون تمثيلية حزبية هو المسيطر على تصريحات كافة قيادات الحزب.
وتقول المصادر داخل الحزب أن حركة "النهضة" غير مستعدة لحجب الثقة عن الحكومة ومن ثم المرور إلى إنتخابات تشريعية مبكرة تخرج منها بنسبة قد تعيدها إلى كراسي المعارضة داخل البرلمان، رغم التطمينات التي جاءت في الساعات الأخيرة قبل جلسة التصويت بالثقة، على لسان رئيس الجمهورية، قيس سعيد بأنه لن يلجأ إلى حل البرلمان، مما اعتبره السياسيون في تونس تلميحا من قصر قرطاج بالرغبة في إسقاط الحكومة التي اختارها بنفسه، إضافة إلى تأكيده على أن لا مجال لإدخال تعديل على الحكومة بعد أن تنال الثقة.
لكن يبدو أن حركة "النهضة" لم تعد تأمن لقرارات القصر التي تبدو في ظاهرها تسير نحو إقصاءها خارج الساحة السياسية في البلاد، حتى بدون اللجوء إلى صناديق الإنتخابات، لذلك منحت الثقة لحكومة هشام المشيشي، كخطوة أولى، ومن ثم يتم تمرير قانون الميزانية بعد عودة مجلس نواب الشعب من العطلة البرلمانية في بداية أكتوبر2020، كخطوة ثانية.
ثم تأتي الخطوة الثالثة، بحسب مصادر داخل حزب حركة "النهضة" وهي تعديل القانون الإنتخابي بما يضمن أغلبية مريحة عند اللجوء إلى إنتخابات تشريعية مبكرة.
أما الخطوة الرابعة وهي التصويت بسحب الثقة من الحكومة وسوف تكون بعد مرور ستة شهور على منحها الثقة، حيث أنه إجراء لا يجوز دستوريا قبل هذا الأجل، ومن ثم المرور إلى الإنتخابات التشريعية.
وإذا كان هذا هو مخطط حركة الإخوان المسلمين المتمثلة في حزب حركة "النهضة" في تونس لكنه لا يسير بمعزل عن ساكن قصر قرطاج الذي يبدو وكأنه يدور في فلك غير واضح، إلا أن المتغيرات الإقليمية والدولية تشير إلى أن كافة المسارات تؤدي إلى هدف واحد تلتف حوله التنظيمات الإخوانية.
فعلى الصعيد الدولي، تنازلت تركيا عن دعم حركة الإخوان المسلمين التي انقلبت عليها في ليبيا، وبدأت الوجهة تتحول نحو دعم السلفية الجهادية ومن ثم دعم دولة الخلافة، وهو توجه أساسي للتنظيمات الإسلامية، بعد أن سقطت سقوطا مدويا في مصر وسوريا وليبيا.
وقد يكون مؤتمر حزب "التحرير" وشعار "انتهاء الديمقراطية وبداية دولة الخلافة" الذي انعقد بالتزامن مع تشكيل الحكومة التونسية الجديدة، وما صاحبها من صخب ولغط من جانب رئيس الجمهورية، قيس سعيد مؤشرا كبيرا على أن تونس تسير بخطى مدروسة نحو هذا النموذج من الحكم.
وإذا كان رئيس تونس، الذي كان مفاجأة الإنتخابات الرئاسية 2019، صعد لقصر قرطاج دون أن يكون لديه أي برنامج انتخابي، ما كان ليصل إلى الرئاسة إلا بدعم حركة "النهضة"، واستراتيجية وضعها شقيقه، نوفل سعيد القيادي السابق بالحزب.
وإذا كان السيجال بين قيس سعيد وراشد الغنوشي قد انطلى على كل من ينتظر منه إزاحة الإخوان المسلمين من الحكم، فإن الرجل تفضحه تصريحاته بالإستغناء عن الأحزاب واستخدام الريشة في تدوين قراراته، بأنه حجر أساس لدولة الخلافة.
ملامح تغيير سياسي قد تجعل من تونس، ذلك البلاد الصغير شوكة في خاصرة شمال أفريقيا والمغرب العربي، على شاكلة إسرائيل في الشرق الأوسط، وقطر في الخليج العربي.
فهل سترضح الإرادة الشعبية لتحويل تونس التي أسسها الزعيم الحبيب بورقيبة على العلمانية أن تتحول إلى دولة الخلافة التي تنطلق منها تركيا نحو استعادة تاريخ الإمبراطورية العثمانية التي يريد رجب طيب أردوغان أن يعيد بنائها على الجثث والدماء مثلما أقيمت سلفا؟