الدراسة، التي أعدتها أميرة أورون، السفيرة الإسرائيلية السابقة في مصر، وأوفير وينتر، الباحث المتخصص في الشؤون المصرية، تحمل عنوان "بعد الحرب مع إيران.. إسرائيل تخطط لشرق أوسط جديد"، وتسلط الضوء على مخاوف القاهرة وعمان من تغيير ميزان القوى الإقليمي لصالح إسرائيل.
مخاوف مصر والأردن: بين الارتياح والقلق
أوضحت الدراسة أن مصر والأردن رحبتا بوقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، خشية سيناريوهين كارثيين: حرب شاملة متعددة الجبهات أو استنزاف طويل الأمد يصاحبه تباطؤ اقتصادي وأزمة طاقة.
ومع ذلك، فإن القلق الأكبر للبلدين لا ينبع من إضعاف البرنامج النووي الإيراني، الذي يُعتبر تهديدًا مشتركًا، بل من احتمال سيطرة إسرائيل على ديناميكيات المنطقة.
الدراسة تنصح حكومة بنيامين نتنياهو بـ"مراعاة" هذه المخاوف إذا كانت جادة في تحقيق "سلام إقليمي". لكن الخبير المصري الدكتور محمد عبود، أستاذ اللغة العبرية والشؤون الإسرائيلية بجامعة عين شمس، يرى أن الدراسة تحمل أبعادًا أكثر خطورة. وفي تصريحات لـRT، أشار عبود إلى أن الدراسة، على الرغم من مظهرها "الودود"، تدعو مصر والأردن إلى قبول "نظام إقليمي جديد" تسيطر عليه إسرائيل، دون تقديم ضمانات حقيقية بشأن قضايا حيوية مثل وقف الاستيطان، ضم الأراضي، أو تغيير وضع القدس المحتلة.
قراءة بين السطور: رؤية إسرائيلية للمستقبل
يحلل عبود الدراسة على أنها تنطلق من فرضية أن ميزان القوى قد تحوّل لصالح إسرائيل بعد إضعاف قوة إيران في المنطقة. وتشير إلى أن على مصر والأردن التعايش مع هذا الواقع بدلاً من مقاومته. الدراسة تقترح "التنسيق" مع إسرائيل كحل وحيد، لكنها تتجاهل الثوابت المصرية والأردنية، مثل دعم حل الدولتين، رفض تهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار، وحماية الأمن القومي المصري.
أكثر ما يثير القلق، بحسب عبود، هو الطريقة التي تعاملت بها الدراسة مع القضية الفلسطينية، حيث اعتبرتها "تفصيلة عابرة" يجب "إدارتها" لمنع الفوضى، بدلاً من معالجة جذورها. الدراسة تذهب إلى أبعد من ذلك، حيث تحمل مصر والأردن مسؤولية "تهدئة" أي رد فعل فلسطيني غاضب، وكأن المشكلة تكمن في الفلسطينيين وليس في سياسات الاحتلال.
مشروع إسرائيلي-أمريكي؟
يعتقد عبود أن الهدف الخفي من الدراسة هو الترويج لمشروع إسرائيلي-أمريكي يهدف إلى تشريع هيمنة إسرائيل كقوة إقليمية، مع إشراك الدول العربية كـ"شركاء صغار" في نظام تديره تل أبيب بدعم واشنطن.
هذا المشروع، حسب الخبير المصري، يتجاهل تمامًا الثوابت العربية ولا يقدم أي التزامات ملموسة بشأن القضايا الجوهرية.
تحذيرات من مشروع مصري مضاد
في سياق متصل، أثارت تقارير إسرائيلية تحذيرات من مشروع مصري ضخم قد يشكل تهديدًا لإسرائيل. ورغم أن الدراسة لم تتناول هذا المشروع بالتفصيل، فإنها تشير إلى قلق إسرائيلي من أي تحركات مصرية أو أردنية قد تعرقل الرؤية الإسرائيلية للمنطقة.
هذه التحذيرات تعكس التوتر الكامن في العلاقات الإقليمية، حيث تسعى كل دولة للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في ظل التغيرات المتسارعة.
الدراسة الإسرائيلية تكشف عن طموح إسرائيل لقيادة نظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط، لكنها تثير تساؤلات حول جدوى هذا المشروع في ظل مخاوف مصر والأردن من فقدان التوازن الإقليمي.
التحدي الأكبر يكمن في إيجاد صيغة للتعاون الإقليمي تحترم الثوابت العربية، بما في ذلك حل عادل للقضية الفلسطينية، وتحافظ على الأمن القومي لجميع الأطراف. في الوقت الحالي، يبدو أن المنطقة تقف على مفترق طرق، حيث ستحدد السنوات القادمة ما إذا كان "الشرق الأوسط الجديد" سيكون مساحة للتعاون أم لمزيد من الصراع.