هذا الحدث، الذي نظمه اتحاد إذاعات الدول العربية بالتعاون مع شبكة الإعلام العراقي من 20 إلى 24 مايو 2025 تحت شعار "دور الإعلام في مواجهة التغير المناخي"، لم يكن مجرد تجمع إعلامي، بل نافذة مفتوحة على عراق ينبض بالأمل والطاقة.
خلال هذه الزيارة القصيرة، تجلت صورة بلد يقاوم تحدياته بإرادة صلبة، حيث يشكل الاستقرار السياسي، النمو الاقتصادي، التحسن الأمني، وجاذبية بغداد السياحية أرضية خصبة لنهضة واعدة.
مؤتمر بغداد: منصة للتألق
في قاعات المؤتمر، التي ضمت إعلاميين وخبراء من الوطن العربي والعالم، بدت بغداد كمركز إشعاع إعلامي. اتحاد إذاعات الدول العربية وشبكة الإعلام العراقي أبدعا في تنظيم حدث حوّل العاصمة إلى منصة عالمية للحوار البيئي.
الاستقرار السياسي، الذي عكسته ثقة متزايدة في حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، مع ارتفاع مؤشر الثقة من 2.3 في 2021 إلى 2.5 من 4 في يناير 2025، شكّل ركيزة أساسية لهذا النجاح.
الانتخابات البرلمانية المقررة في نوفمبر 2025، التي تناولها المشاركون في نقاشات جانبية، تلوح كفرصة لتعزيز الحوار الوطني وصياغة رؤى تتجاوز الانقسامات، مما يرسخ دور العراق كمحور للتلاقي العربي.
اقتصاد نابض: بذور الابتكار
خارج أروقة المؤتمر، في شوارع بغداد المزدحمة، حيث تمتزج أصوات الباعة بحركة الحياة، يروي الاقتصاد قصة تعافٍ.
يتوقع صندوق النقد الدولي نمواً بنسبة 5.3% في 2025، مدعوماً باحتياطيات دولية بلغت 112 مليار دولار وارتفاع أسعار النفط.
في مركز تدريبي بالقرب من نهر دجلة، كان الشباب يتعلمون مهارات التكنولوجيا والزراعة الحديثة، في مشهد يعكس شغفاً بالابتكار.
المبادرات الحكومية لدعم القطاع الخاص، إلى جانب الاستثمارات الأجنبية في النفط والطاقة، تفتح آفاقاً لمشاريع صغيرة ومتوسطة.
هذه الطاقة، التي لُمست في أسواق المدينة، تشير إلى إمكانية بناء اقتصاد متنوع، يحرر العراق من قيود النفط ويمهد لمستقبل مستدام.
أمان متجدد: إحياء التراث
التحسن الأمني، الذي بدا واضحاً أثناء التجوال في بغداد، أعاد للعراق جاذبيته كوجهة ثقافية. تراجع نشاط الجماعات الإرهابية، إلى جانب استقبال أكثر من 500 سائح أوروبي وأمريكي في 2024، يبشر بزيادة الزوار في 2025.
على ضفاف دجلة، حيث تتداخل الألوان والأصوات، بدت المبادرات المحلية لإبراز التراث العراقي وكأنها دعوة للعالم.
الأعمال الفنية التي تحتفي بسومر وبابل، والمشاريع السياحية التي تروج للأهوار والزقورات، تملك القدرة على إعادة تعريف العراق كمركز ثقافي عالمي.
هذه الروح الإبداعية، التي لاحت في معارض فنية صغيرة قرب المؤتمر، تجسد طاقة شعب يستعيد فخره بحضارته.
بغداد عاصمة السياحة 2025: إشراقة ثقافية
بغداد، التي تُتوج عاصمة السياحة لعام 2025، تتألق كجوهرة ثقافية تجمع بين إرث الماضي ونبض الحاضر.
خلال الزيارة، كانت شوارع العاصمة تعج بالحركة، حيث تستقطب الزوار من كل أنحاء العالم لاستكشاف أسواقها التاريخية، مثل سوق المتنبي، ومعالمها الخالدة كمتحف العراق الوطني.
المبادرات المحلية لتعزيز السياحة، التي لُمست في اللافتات الترويجية قرب قاعات المؤتمر، تروج لتجارب فريدة، من التجوال في الأحياء القديمة إلى زيارة المواقع الأثرية القريبة.
مهرجانات ثقافية ومعارض فنية، تنبض في قلب المدينة، تعكس روح بغداد كملتقى للفنون والتاريخ.
هذه الجاذبية، المدعومة بتحسن الأوضاع الأمنية، تضع بغداد كوجهة سياحية عالمية، قادرة على إلهام الزوار وإحياء إرثها الحضاري.
تحديات انتقالية: طريق التعاون
الفقر، البطالة، والفساد، كظواهر لم تخلُ منها مجتمعات الدول التي تعيش مراحل انتقالية بعد سقوط الأنظمة، تظل تحديات حاضرة.
لكن لقاءات عابرة مع مواطنين في مقاهي بغداد كشفت عن إرادة للتغلب عليها.
تعاونيات زراعية تعزز الإنتاج، حملات تطالب بالشفافية، وورش عمل لتأهيل الشباب، كلها مبادرات ملموسة لتحويل العقبات إلى فرص.
التكاتف، سواء في الأحياء أو عبر المنصات الرقمية، يمثل قوة دافعة لمستقبل أكثر عدالة، كما بدا واضحاً في حيوية المؤتمر وروح الحضور.
تأملات من زائر
أربعة أيام في بغداد، بدءاً من أروقة مؤتمر الإعلام العربي إلى شوارع المدينة النابضة، كانت كافية لالتقاط نبض بلد يقاوم اليأس بإرادة صلبة.
الاستقرار السياسي، النمو الاقتصادي، الأمان المتجدد، وجاذبية بغداد السياحية، التي تجلت في تنظيم اتحاد إذاعات الدول العربية وشبكة الإعلام العراقي لهذا الحدث، تشكل أدوات قوية لنهضة شاملة.
لكن، لو امتدت الزيارة أطول، أو كانت مليئة بفرص اكتشاف مدن أخرى ومبادرات محلية، لكانت هذه القراءة أعمق، وربما كشفت عن قصص أخرى تستحق أن تُروى.
من بغداد، موطن الحضارات، تنطلق دعوة لاستثمار هذه اللحظة التاريخية، ليكون العراق منارة عربية تتألق من جديد.