هذا الحادث، الذي أدى إلى انقطاع واسع النطاق في خدمات الاتصالات والإنترنت والدفع الإلكتروني، كشف عن هشاشة البنية التحتية الرقمية في مصر، مؤكداً تحذيرات البنك الدولي من مخاطر "نقطة الفشل الواحدة" الناتجة عن هيمنة الشركة المصرية للاتصالات على البنية التحتية الثابتة.
أشار تقرير البنك الدولي إلى أن الاعتماد على مركز رئيسي مثل سنترال رمسيس، دون أنظمة احتياطية فعالة (Redundancy) أو خطط تعافٍ من الكوارث (Disaster Recovery)، يجعل النظام الرقمي عرضة لانهيارات كارثية.
وقد تجسدت هذه التحذيرات في الحريق الذي أتلف كابلات الألياف الضوئية وأجهزة التحكم الرئيسية، مما أدى إلى تعطل خدمات الإنترنت الأرضي والمحمول، وأنظمة الدفع الإلكتروني مثل "إنستاباي" و"فوري"، وحتى خدمات الطوارئ في مناطق متعددة من القاهرة وخارجها.
انتقد التقرير غياب آليات تحويل الخدمة التلقائي (Failover Systems)، التي كان يمكن أن تقلل من تأثير الحريق، مشيراً إلى ثلاثة تحديات رئيسية: الاحتكار الفعلي للشركة المصرية للاتصالات، التداخل بين أدوارها كمزود ومنظم، وضعف الإطار التنظيمي.
وقد أوصى البنك بإصلاحات عاجلة تشمل إعادة تصنيف الشركة المصرية للاتصالات كمشغل ذي تأثير سوقي كبير، وفصل أدوارها، ومراجعة قانون الاتصالات لتوزيع عادل للطيف الترددي وإتاحة البنية التح تحتية للقطاع الخاص.
ورغم الجدول الزمني الذي اقترحه البنك لتنفيذ هذه الإصلاحات خلال 3 إلى 36 شهراً، مرت خمس سنوات دون تقدم جوهري، مما جعل كارثة سنترال رمسيس نتيجة متوقعة لتجاهل هذه التحذيرات.
فقد أدى الحريق إلى خسائر بشرية (أربع وفيات و21 إصابة) وتعطل خدمات حيوية، بما في ذلك أنظمة الدفع البنكي وحجوزات الطيران والقطارات، مما أثر على ملايين المواطنين وكشف عن عمق الأزمة الهيكلية. تثير هذه الأزمة أسئلة ملحة حول أسباب إهمال الإصلاحات المقترحة، وضرورة إعادة هيكلة قطاع الاتصالات المصري بشكل عاجل.
يؤكد الخبراء على أهمية التحول إلى شبكة موزعة (Distributed Network) تعتمد على هندسة Mesh، مع مسارات بديلة فعالة، لضمان استمرارية الخدمات في حالات الطوارئ. كما يشددون على ضرورة تعزيز أنظمة الحماية من الحرائق وتحسين خطط التعافي من الكوارث لتجنب تكرار مثل هذه الأزمات.
حادث سنترال رمسيس ليس مجرد حريق عابر، بل جرس إنذار يدعو إلى تحديث شامل للبنية الرقمية في مصر.
ومع استمرار جهود استعادة الخدمات تدريجياً عبر نقلها إلى سنترالات أخرى، يبقى السؤال: هل ستكون هذه الأزمة دافعاً لتنفيذ الإصلاحات المنسية، أم ستظل تحذيرات البنك الدولي حبراً على ورق؟