هذا العمل، الذي يمثل الحلقة العاشرة في سلسلة “فرضيات” المتميزة، يجسد ثمرة أكثر من خمسة وثلاثين عامًا من البحث والتأمل العميق. وكما كتبت البروفيسورة الناقدة إديث ليكور، الأستاذة المتألقة والكاتبة العامة لمعهد علم النفس والتحليل النفسي بجامعة السربون - باريس 5 رينيه ديكارت: “يبرز هذا الكتاب كعمل نادر بعمق معرفته وسعة اطلاعه، حيث يستكشف الثقافة كمساءلة دائمة تتجلى في الأبعاد الاجتماعية والسياسية والجمالية واللغوية والاقتصادية.”
اقرأ ايضأ:-
سيتم عرض هذا الكتاب المرتقب يوم الخميس في معرض الرباط الدولي للكتاب، حاملاً توقيع الأستاذ الدكتور محمد زين العابدين، الباحث اللامع في مركز الدراسات الفلسفية بجامعة باريس - بانتيون-السربون.
يعلق الأستاذ الدكتور بوعزة بنعاشير، الحائز على الدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية من جامعة باريس 1 - بانتيون-السربون، قائلاً: “يرى المفكر الرائد محمد زين العابدين أن الشرق لا يمكن أن ينشأ من الغرب، ولا العكس، لكن مسارات التاريخ أتاحت تقاطعات وتضافرات، وأحيانًا تناقضات وصراعات.
وفي رده على نقد إدوارد سعيد للاستشراق، يؤكد على ضرورة تمحيص التاريخ وخباياه بدقة أكبر.” هذا المنظور يعكس نهج الكتاب في التفاعل مع أفكار المفكر الكبير إدوارد سعيد، داعيًا القراء إلى إعادة قراءة التاريخ بنظرة نقدية.
يحافظ الأستاذ الدكتور محمد زين العابدين على نهجه المميز الذي عودنا عليه في أعماله السابقة، حيث أجرى حوارات فكرية عميقة مع أعلام مثل فرانسيس فوكوياما، صموئيل هنتنغتون، وأندريه مالرو، حول مفهوم “اللامفكر فيه” أو “المهجور من الفكر”.
ويبرز في هذا الكتاب استخدامه المبتكر للفن كأداة تأويلية، كما تجلى في أعمال سابقة مثل “تناظرات بين أندريه مالرو ومحمد زين العابدين” و”التونسية بمعنى الكونيات المتعددة”، وهي مؤلفات لاقت صدى دوليًا واسعًا.
ويثير الإعجاب كيف رفع المؤلف مفهوم “التونسية” إلى رمز للحضور الحضاري والمشاركة العالمية.
في هذا الكتاب، يظل السؤال الوجودي “من أنا؟ من نحن؟” محوريًا، متناولاً التوتر بين الذاتية والغيرية. يغوص الأستاذ الدكتور محمد زين العابدين في أعماق المصادر التاريخية للشرق الحضاري، الذي يتسم بالتنوع والتراكم الإبداعي.
ويؤكد ذلك البروفيسور الموقر جيرار بيليه من جامعة باريس 1 - السربون، حيث كتب: “يهدف الكتاب إلى إعادة قراءة كتاب إدوارد سعيد الشهير (*الاستشراق*، 1978)، الذي حلل الرؤية الغربية للشرق الأوسط في الفن والأدب خلال القرن التاسع عشر، وما ترتب عليها من هيمنة وتهميش للغة العربية وشيطنة الإسلام.”
ويضيف بيليه أن المؤلف يتساءل كيف استطاع الفن العربي الإسلامي أن يستلهم ويطور إسهامات فلاسفة مثل فيثاغورس، أفلاطون، وأرسطو، لكنه يتفق مع سعيد في أن “الشرق” غالبًا ما كان نسجًا من الخيال.
من هنا، يدعو المؤلف إلى مواجهة التصورات السلبية للشرق، مؤكدًا على أهمية التعارف المتبادل والاحتفاء بالتعددية والحرية.
يجيب الأستاذ الدكتور محمد زين العابدين على هذه التساؤلات بأسلوبه الإنساني والأدبي المميز، قائلاً: “يستعيد هذا العمل فرضياتي التي عملت على التحقق منها في الفلسفة، علم الاجتماع، الشعر، والجغرافيا السياسية.
لكن هنا، يسكنني المخيال الجمالي، أبحث عن الفكر المجرد، الأصوات المتجانسة، والإيقاعات الشعرية، لأكتشف شرقًا كامنًا فينا، متعاليًا ومتساميًا.” هذا النهج يعكس التزامه العميق بالبحث عن الحقيقة الإنسانية.
يستمد المؤلف إلهامه من روافد أكاديمية غنية، حيث تتلمذ على يد الفيلسوف الرائد أندريه آكون في علم الاجتماع الثقافي، وعالم الاجتماع المبدع ميشيل مافيزولي في الخيال الوجداني، والموسيقولوجي الشهير مانفريد كيلكل في تاريخ الموسيقى، والفيلسوفة الشاعرة جنفييف كلانسي في الجغرافيا السياسية والفكر الجمالي، إلى جانب إيفلين أندرياني في الجماليات.
هذه الروافد عززت نهجه متعدد التخصصات، والذي توج بتعيينه مديرًا للبحوث في جامعة باريس 1 – السربون والمركز الوطني للبحوث العلمية منذ 2001.
وقد حصد العديد من الجوائز، منها وسام رئيس الجمهورية الإيطالية (2001)، لقب الشخصية الثقافية للبحر الأبيض المتوسط (2001، 2008)، جائزة الثقافة المتوسطية (2018)، ووسام الاستحقاق الوطني التونسي (2019).
ومع عشرة مؤلفات رئيسية وإشرافه على خمسة وعشرين كتابًا مشتركًا، مثل “قاموس نقد المفاهيم الثقافية”، يظل الأستاذ الدكتور محمد زين العابدين رمزًا للإبداع الفكري وسفيرًا للسلام الثقافي.