رحلة برائحة الأصالة التونسية عبر عبق التاريخ وجغرافية الزمان

تونس/ متابعة وتصوير: عوض سلام/ مرة أخرى مع وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية نركب آلة الزمان ونتحسس آثار الحضارات التي تزخر بها ربوع البلاد التونسية، ونعيش ما لم يعشه الماضون، فكل عاش تاريخه ورحل، أما نحن فنعيش تواريخهم جميعا واقفين على آثارهم ونقول أنهم كانوا هنا..

وإذا كانت لكل الرحلات والرحالة بدايات فلتكن رحلتنا هذه المرة من أواخرها وليست من نهايتها، لأن رحلات آلة الزمن ليس لها نهاية.

وكان عبق الأصالة مع اللباس التقليدي التونسي الذي أمنته لطيفة حاجي رئيسة جمعية "لباسنا أصالة وحضارة" حيث تزامنت الزيارة مع اليوم الوطني للباس التقليدي الموافق 16 مارس من كل عام.

صور من احتفال الوفد الإعلامي باليوم الوطني للزي التقليدي:

{gallery}stories/galleries/output:::0:0{/gallery}

أمن هذه الرحلة وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية بالتعاون مع المعهد الوطني للتراث وتحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية في إطار استراتيجية متكاملة هدفها مزيد التعريف بالآثار التونسية وتشجيع السياحة الثقافية، يتم تطبيقها عبر برنامج زيارات مؤطرة لممثلي وسائل الإعلام التونسية ومراسلي الصحافة الدولية المعتمدين في تونس .

*قف فأنت في دقة

مع غروب الشمس بدأنا في العودة إلى آلة الزمان العائدة إلى تونس العاصمة، ونحن الإعلاميون نلتفت خلفنا مودعين قرية دقة الأثرية، بعد رحلة كان ربانها، محمد علي الشهيدي، محافظ رئيس التراث عن جهة دقة.

"يا دارَ مَيّة َ بالعَليْاءِ، فالسَّنَدِ،, أقْوَتْ، وطالَ عليها سالفُ الأبَدِ"، "عاجَ الشقِيّ على دارٍ يُسائِلُها،, وعُجتُ أسألُ عن خَمّارَة ِ البلدِ"، هكذا أرد "الشهيدي" أن تكون البداية بين النابغة الذبياني وأبي نواس ليبدأ الحديث عن دقة وكأنه أحد عاشقيها أو من بٌناتُها .

قف أنت في دقة المدرجة ضمن لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو سنة 1997، باعتبارها أفضل مدينة رومانية محفوظة في شمال أفريقيا، وهي قرية أثرية يعود تاريخها ما بين 1800 و 1500 قبل الميلاد حسب المصادر الأثرية، من الفترة النوميدية، البونية، الرومانية، البيزنطية، والعربية الإسلامية، وبحسب المصادر المكتوبة تعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد.

تحتوي مدينة دقة على عدد كبير من الأثار التي تؤكد أهميتها من قبل قدوم الرومان، مثل المقبرة وضريح آتيبان بن أبتيمتاح والمعابد التي تمّ العثور عليها إثر الحفر والتي ترتبط بفترات ما قبل الفترة الرومانية.

ويقول الشهيدي: إن قرية دقة هي زهرة المواقع الأثرية بالبلاد التونسية، وإذا كانت قرطاج تاج روما فإن دقة عقدها الفريد،،

وتمتد مدينة دقة التابعة لمعتمدية تبرسق من ولاية باجة (شمال غرب) على مسافة 70 هكتارا، وتستمد اسمها الحالي من اسمها الأمازيغي القديم وهو تُوغًّا Thugga و يعني الجّبل الصّخري.

وقد اتخذ الاستيطان البشري في دقة شكلا حضاريّا ويتضح ذلك من خلال وجود مقابر بالمناطير - أقدم دليل أثري من دقة، مقام بعل آمون، لوحات تذكارية بونيقية ضريح، شظايا معمارية ومعبد مخصص لماسينيسا، والحمام الذي كان يعتبر مكانا للرياضة والإطلاع، الذي يقترب من ساحة "زهرة الرياح" التي تتوسطها دائرة تحدد اتجاه الرياح والتوقيت، والتي تتواجد بين السوق والمعبد...

تابعوا الرحلة مع "الشهيدي" في الفيديو الموالي:-

{vembed Y=hKb_HP34q0E}

*عين على عين تونقة

عينا على عين تونقة ألقاها الوفد الإعلامي في طريق العودة والتي كانت المصافحة الأولى مع "الشهيدي" قبل الوصول إلى دقة، حيث ألقى لمحة سريعة عن هذا الحصن الذي تم تأسيسه في القرن السادس الميلادي من أجل حماية السكان الموجودين داخله.

وتم تشييده بالحجارة الرومانية حيث أن البيزنطيين كانوا لا يلوون أهمية لتلك المعالم الأثرية بل كان همهم هو حماية أنفسهم ببناء تلك الحصون.

ويقول الشهيدي: أن تسمية "العين" قد تشير إلى وجود الماء فالحضارات دائما ما تتشكل أينما يوجد الماء والحجر..

متابعة من داخل حصن عين تونقة:-

{vembed Y=d5mOiBxYV-I}

*تستور: الجمال الذي تستره الجبال

سُميت معتمدية تستور من ولاية باجة بهذا الإسم لأن الجبال تسترها ، بحسب مال يقول رئيس جمعية صيانة مدينة تستور، رشيد السوسي، الذي كان دليلنا بين أروقة المدينة التي حاول أن يجعلنا نتذوق كل نسائم الحضارات التي مرت على تلك المدينة، فلم يغفل نهجا ولا زقاقا حتى أزاح الستار عن تاريخه ولو في دعابة.

فلم يغفل الكتاتيب ولا المقامات "الأضرحة" ولا "الربي" ولا نهج الحب، أو تاريخ الحمام.

ويقول "السوسي": قد أسس الأندلسيون عشرين قرية كلها بجانب وادي مليان ومجردة أو بجانب البحر أين توجد الماء في جنوب المتوسط وتشبه في شكلها جنوب إسبانيا بشكل معكوس.

ومن القرى التي بُنيت إلى جانب واد مجردة تستور والسلوقية ومجاز الباب وقريش الواد وطبربة والجديدة إلى غار الملح حيث أن واد مجردة يبدأ من هناك ليخرج من غار الملح.

وأول سلسلة هذه القرى وأكبرها هي تستور ، دون أن ننسى طبربة وزغوان وسليمان وتم العثور في هذا المناطق على الآثار الرومانية والبيزنطية.

*الجامع الكبير بتستور

الجامع الكبير بتستور الذي بناه محمد تغارينو وهو أحد القادة الأندلسيين عام 1609م، بأرضية مفروشة من الآثار الرومانية والبيزنطية وأعمدة تم جمعها من الآثار التي تم العثور عليها في المنطقة والجزء الأعلى هو فقط يأخذ الطابع الأندلسي.

ومن خصائصه أنه مبني بأحجار مصنوعة من روث الدواب الذي يحتوي على مواد تعمل على إيجاد المسام في الجدران بينما لا يدع مجالا للتشقق ويساعد على تنفسها، ولا تحتوي بيت الصلاة على نوافذ جانبية بل سقفية بما يساعد على دخول الهواء.

رشيد السوسي يتحدث عن الجامع الكبير بتستور:-

{vembed Y=56BM7D8n0Ag}

*دار الثقافة إبراهيم الرياحي (حبيبة مسيكة)

توقف رشيد السوسي كثيرا عند حكاية عشق كانت وراء بعث هذه الدار، التي تتضمن عديد العبر، فكيف كانت الفكرة وأين انتهت،،

حكاية حبيبة مسيكة كما رواها "السوسي":-

دار الثقافة إبراهيم الرياحي، التي كان إسمها دار الثقافة الحبيبة مسيكة، وقبلها دار ليون، بينما اسمها الأول "دار اليهود".

إلياهو دافيد يهودي مرابي، كان من أغنى أغنياء تونس في بداية القرن التاسع عشر، كان يكيل ذهبه بما يسمى "القلبة" وهي نوع من المكيال عند تونسيي هذه المنطقة والمقصود بها الدلو، وكان يتحدث العربية والدارجة التونسية، كان يسكن منزلا بجانبه أرض خراب أين توجد دار حبيبة مسيكة حاليا كان والدا إلياهو يطلبون منهم المساعدة فيرفض ومات الوالد وهو يتمنى لولده أن يموت محروقا، وقد كان.

كان إلياهو يسافر إلى تونس أيام الخميس والجمعة والسبت ويعود إلى تستور يوم الأحد وخلال الأيام التي يقضيها في العاصمة كان يسهر في المسارح أين كانت حبيبة مسيكة وإسمها الحقيقي "مارغريت"، تعمل حيث كانت تجيد الرقص والغناء والتمثيل، ولديها ميزة أنها تحفظ الكلام من أول مرة تسمعها.

وطلب إلياهو الزواج من حبيبة فلم ترفض ولم توافق بل ماطلت. فطلبت منه أن يبني لها منزلا وقام ببناء هذه الدار فبدأت تشترط أشياء غريبة وتعجيزية في البناء من ناحية الزينة والسيراميك وطبيعة البناء، وأيضا أن تمر من تحت منزلها الماء من خلال ماجل وهذا الطلب كان بعد إتمام البناء.

وآخر طلبات حبيبة مسيكة من إلياهو هو أن يأتي بالماء الصالح للشراب فأتى لها بالماء من كل الأنحاء من تستور وعين جمالة، عين تونقة وغيرها لكن لم يعجبها ذلك بل طلبت أن يأتي بالماء من زغوان وكان عمر إلياهو حينها 61 عاما، فسأل المهندسين والمختصين عن الوقت الذي يلزم لتحقيق طلب حبيبته فكانت الإجابة مفجعة حيث أن هذا الطلب يتحقق خلال 20 عاما أي يكون قد بلغ إلياهو من العمر 81 عاما.

ويقال حينها أن حبيبة مسيكة كان لديها عشيق يدبر معها الأمر وهذه الطلبات.

فما كان من إلياهو إلا أن حرقها لكن قبل أن ينفذ ذلك وزع كل أملاكه ومن بينها المنزل الذي بناه من أجلها ومن المفارقات أنه كتبه باسم الجامع الكبير، وبهذا أصبح بيت يهودي وقفا للمسلمين.

ويقول أحد المؤرخين أن حبيبة مسيكة كانت قد أسلمت وأخفت ذلك خوفا من أن يحرقها اليهود.

وفي الليلة الفاصلة بين 20/21 فبراير 1930 وبعد أن شاهد أحد عروضها ذهب إليها أين كانت تسكن في فندق – تحول حاليا إلى دار أملاك الدولة - وسط العاصمة التونسية بشارع باريس أمام دار الثقافة إبن رشيق، وصب عليها الزيت والكحول وأشعل فيها النار، فأمسكت به واحترق معها، وماتت هي على عين المكان بينما مات إلياهو بعدها بثلاثة أيام...

مزيد من حكاية حبيبة مسيكة وسر تسمية منزلها في الفيديو الموالي:-

{vembed Y=LpWA5ASZQFs}

كان هذا نفحة من التاريخ لأزمنة غابرة كانت على أرض وبين ربوع تونس، عشناها ونقلناها إليكم علنا أثرنا فضولكم لتركبوا آلة الزمن وتقومون بمثل هذه الزيارة، فأينما تلفتم في ربوع البلاد تجدون ما يغذي ملكة الفضول والإطلاع على تاريخ من عاشوا على أرض تونس...

وإلى اللقاء في رحلة قادمة عاش شخصيات الرحل لفيف من الصحافيين التونسيين والعرب

تأمين وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية

ملابس لطيفة حاجي: رئيسة جمعية "لباسنا أصالة وحضارة"

حاول أن ينقل الصور: عوض سلام

صور من المعالم الأثرية بولاية باجة:-

{gallery}stories/galleries/tastour:::0:0{/gallery}