تصريحات السفير الأمير جاءت خلال استضافته من قبل جامعة أكسفورد قبل أيّام، ولكن بدأت الأضواء تتسلّط إعلاميّاً عليها مع نشر المقطع الكامل لتصريحاته، ولفت بعض الحاضرين إلى أن الأمير خالد حضر مع حراسته الكثيفة، على عكس عادة ضيوف الجامعة، الذين يبتعدون عن هذه الصورة في الحضرة الأكاديميّة، وأمام دارسي السياسة.
أكثر ما لفت المُراقبين في حديث الأمير خالد، وهو نجل رئيس الاستخبارات السعوديّة الأسبق بندر بن سلطان، تصريحه الذي اعتبره البعض بمثابة لحظة كشف الحقيقة، حين قال إن قيادة المملكة ليست دينيّة، وإنها وصلت إلى الحُكم بعد انتصارها على قبائل أخرى.
هُنا يبدو الهدف واضحاً من إصرار المسؤولين السعوديين ومنهم السفير المذكور، على الابتعاد عن الدين، وإضفاء صبغة قبليّة على القيادة السعوديّة، مع الإصرار الغربي على اتهام المملكة بالمسؤوليّة عن تفريخ وإنشاء ودعم الحركات الإسلاميّة في المنطقة، ونشوء تنظيم القاعدة، وتلاه الدولة الإسلاميّة.
حيث كانت المناهج السعوديّة (كتاب التوحيد) هو أحد المراجع الذي جرى إيجادها في مواقع (داعش) بعد سُقوطه، ولكن هذا التملّص من أن قيادة المملكة ليست دينيّة، يفتح باب التساؤلات حول شكل وطبيعة الحُكم في السعوديّة حال وصول ولي العهد الشاب الأمير محمد بن سلمان للعرش.
وإن كان سيُلغي لقب العاهل السعودي الشهير، الذي رافق ملوك المملكة (خادم الحرمين)، وهو تصريح سمح للبعض بتجديد نغمة (تدويل قيادة الحرمين)، أي عدم حصرها بقيادة المملكة، إذا كانت تلك القيادة ليست دينيّة.
وبالرغم من الصراعات الماثلة أمام الأعين على زعامة العالم الإسلامي، بين السعوديّة، وتركيا، وإيران، قال الأمير خالد بأن بلاده لا تستمد شرعيّتها في الحُكم من مُنطلقٍ ديني، مثل الدول التي يرتبط نسب حكامها بالنبي محمد.
وبالعودة إلى تاريخ نشأة العربيّة السعوديّة، تُغفل تصريحات الأمير السفير حقيقة أن بلاده قامت على تحالف ديني- سياسي بين عائلة آل سعود (محمد بن سعود)، والشيخ محمد بن عبد الوهاب أو المعروفة اليوم بعائلة آل الشيخ العام 1744.
وكل شعارات المملكة السياسيّة لها علاقة بالمُنطلقات الدينيّة، فحتى العلم الرسمي بلونه الأخضر كُتب عليه شهادة التوحيد: “لا إله إلا الله محمد رسول الله”، الفارق الوحيد الثابت في حديث الأمير خالد، أن حكام عائلة آل سعود لا يتبعون لنسب النبيّ العربيّ الهاشميّ محمد، كما يتبع نسب العائلة الحاكمة في الأردن.
ورغم أن الأمير السفير، خالد بن بندر أكّد بأن قيادته لا تستمد شرعيّتها في الحُكم من مُنطلقٍ دينيّ، إلا أنه عاود واستدرك قائلاً: لكنّنا مركز العالم الإسلامي.
وهُنا يظهر حرصه على إظهار عدم تخلّي بلاده عن قيادة العالم الإسلامي، حتى وإن كانت قيادة بلاده (الشابّة القادمة) أو السّابقة ليست دينيّة، وإنما (بدويّة) أو كما قال تفصيلاً: “نحن قبيلة من البدو فازت في الحرب”.
وقد تكون القيادة السعوديّة القادمة أكثر علمانيّة، يتّضح ذلك من قول الأمير خالد: “لا نلعب دور القيادة الدينيّة، ولكنّنا نُحاول جمع كلمة المُسلمين، ولدينا القدرة على ذلك”.
وتأتي هذه التأكيدات في ظل الاتهامات الشعبيّة العربيّة المرصودة على المنصّات المُوجّهة للقيادة السعوديّة، بالتخلّي عن الدين الإسلامي، ودعم الانفتاح والترفيه، والاندفاع نحو التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وحتى تجميله إعلاميّاً.
تُريد العربيّة السعوديّة نزع الهويّة الدينيّة عن مُجتمعها، وسياساتها الخارجيّة نهائيّاً على حدٍّ سواء، فبعد تركيز نخبها على الفصل بين الوهابيّة، والقيادة السياسيّة، وإعلان تاريخ الاحتفال بيوم التأسيس الذي حُدّد بعام 1727 على يد المُؤسّس الأوّل محمد بن سعود وليس عام 1744 تاريخ تدعيم حكم بن سعود مع ركائز رسالة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الدينيّة، وصولاً إلى منع بث الصلوات عبر وسائل الإعلام
وفي السّياق السياسي، ذكّر الأمير خالد، بأن المملكة تبقى مُخلصة للأصدقاء “ما داموا كذلك”، مثل الولايات المتحدة، فرنسا، ألمانيا، وبريطانيا، ولم يشرح الأمير السفير شكل عدم إخلاص بلاده في حال انعدام إخلاص الأصدقاء المذكورين.
لكن تأتي تصريحاته في ظل تراجع العلاقات السعوديّة- الأمريكيّة، وفشلها والغرب في إقناع المملكة في زيادة الإنتاج النفطي، وخفض أسعار النفط، مع استمرار الحرب الروسيّة- الأوكرانيّة.
وأضاف بأن بلاده تقف مع أصدقائها بالسرّاء والضرّاء، ولكنّها تشعر أحياناً بأنهم لا يقفون معها، أو يُساندوها، وهي إشارة منه لترك “الأصدقاء” جبهة السعوديّة الداخليّة من غير حماية أمام ضربات الحوثيين.
هل تذهب السعوديّة نحو التحالف مع روسيا، قال خالد بن بندر إن بلاده تتبع نهج البحث عن الصّداقات المُفيدة، وفيما يبدو أن الصّداقة السعوديّة مع أمريكا بالنسبة للمُراقبين لم تعد مُفيدة، أو على الأقل في عهد إدارة الرئيس جو بايدن، الذي لا يزال يرفض التعامل مع الأمير محمد بن سلمان، ولجأ لإخراج الاحتياطي النفطي، لخفض ارتفاع أسعار البنزين غير المسبوق في بلاده.
وبالرغم من الانتقادات التي تطال الترفيه على المنصّات السعوديّة، وصف الأمير خالد المشهد بأنه لا يُصنّف على أنه أمر غريب، وأضاف إنها إصلاحات سعوديّة للمجتمع، وبأسلوب سعودي، غير أن تلك الإصلاحات يقول مُنتقدون إنها تمّت على الطريقة الغربيّة، البعيدة عن الضوابط السعوديّة المُحافظة.