الرؤية المصرية:- واشنطن، الولايات المتحدة - عاد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الرياض حاملاً صفقة تاريخية تشمل 48 طائرة مقاتلة إف-35 متطورة، و300 دبابة أبرامز، وتصنيف المملكة كـ"حليف رئيسي خارج الناتو"، مقابل التزام باستثمارات تصل إلى تريليون دولار في الاقتصاد الأمريكي، لكنه رفض التوقيع على اتفاقيات إبراهيم مع إسرائيل إلا بعد ضمان "مسار واضح" لإقامة دولة فلسطينية، في رسالة قوية تعكس تحولاً في ديناميكيات التحالفات الإقليمية رغم ضغوط الرئيس دونالد ترامب.
جاءت الزيارة التاريخية لولي العهد إلى البيت الأبيض يوم الثلاثاء 18 نوفمبر، أولى لقاءاته مع ترامب منذ سبع سنوات، وسط ترحيب فخم تضمن عرضاً جوياً للطائرات و"عشاءً مذهباً"، حيث أعلن الرئيس الأمريكي عن "تعاون عسكري يصل إلى آفاق جديدة"، بما في ذلك نقل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي "الرائدة عالمياً".
ووصف ترامب السعودية بأنها "حصن منيع ضد إيران ووكلائها"، مشدداً على دورها في دعم إعادة إعمار غزة، لكن الجانب الدبلوماسي بقي معلقاً بسبب الشرط الفلسطيني الذي أكده بن سلمان صراحةً: "نريد أن نكون جزءاً من اتفاقيات إبراهيم، لكن يجب أن نضمن مساراً واضحاً لحل الدولتين".
رغم الإغراءات الأمنية، التي شملت أيضاً منح المملكة صفة "حليف غير عضو في الناتو" لأول مرة، أصر بن سلمان على ربط التطبيع بـ"سلام للإسرائيليين والفلسطينيين معاً"، في إشارة إلى رفض شعبي سعودي واسع بعد حرب غزة، التي أدت إلى تراجع الرأي العام ضد إسرائيل.
وأضاف الولي العهد أن "الهدوء في غزة ضروري لأي تقدم"، محذراً من أن غياب مسار فلسطيني موثوق يجعل التوقيع "غير ممكن حالياً". هذا الموقف يعكس تحولاً عن المفاوضات السابقة في عهد بايدن، حيث كانت الصفقات العسكرية مشروطة بالتطبيع، ليصبح الآن التركيز على الشراكة الاقتصادية والأمنية دون ربط مباشر.
من جهة أخرى، أثار قرار بيع الإف-35 جدلاً داخل الإدارة الأمريكية، حيث حذرت وكالة الاستخبارات الدفاعية من خطر تسرب التكنولوجيا إلى الصين عبر الشراكة الأمنية السعودية-الصينية، بينما عبر قادة الدفاع الإسرائيليون عن مخاوفهم من فقدان "التفوق الجوي النوعي" في المنطقة.
ومع ذلك، رفض ترامب هذه التحذيرات قائلاً: "كلا البلدين حليفتان عظيمتان، ويستحقان أفضل الطائرات"، مشيراً إلى أن إسرائيل "ستكون سعيدة" بالصفقة.
كما لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي حول مشاركة التكنولوجيا النووية المدنية، رغم اتفاق على مواصلة النقاشات، في خطوة تعزز طموحات الرياض النووية دون ارتباط فوري بالتطبيع.
في المقابل، التزم بن سلمان بزيادة الاستثمارات السعودية في أمريكا إلى تريليون دولار، مقدماً على الـ600 مليار دولار المعلنة في مايو، دون تحديد جدول زمني واضح، مما يعادل تقريباً الناتج المحلي الإجمالي السعودي السنوي.
وشملت الالتزامات مشاريع في الذكاء الاصطناعي، الطاقة، والتعدين، مع توقيع اتفاق دفاعي استراتيجي يسهل عمل الشركات الأمريكية في المملكة. ويأتي هذا في سياق علاقات تجارية عميقة، حيث ساهم صندوق الثروة السعودي بملياري دولار في صندوق استثماري لصهر ترامب جاريد كوشنر، ودعمت رابطة LIV للغولف عقارات ترامب، بالإضافة إلى مشاريع مشتركة في المالديف.
يُعد ترامب معجباً بالمملكة منذ زيارته الأولى في 2017، حيث وصفها بـ"معجزة العصر الحديث"، مشيداً بإصلاحات بن سلمان الداخلية مثل السماح للنساء بقيادة السيارات، توسيع الترفيه، وتقييد الشرطة الدينية، التي عززت صورته كقائد "مجدد".
ومع ذلك، يبقى التحدي الإقليمي قائماً: هل يمكن لترامب، الذي يرى في التطبيع مكسباً سياسياً، إقناع نتنياهو بمسار فلسطيني، أم سيظل الشرط السعودي عائقاً أمام توسيع اتفاقيات إبراهيم، في ظل حرب غزة المستمرة التي غيرت قواعد اللعبة؟