عالم الكومبيوتر بجامعة أبيريستويث البريطانية، مارك لي كتب في موقع “ذا كونفرزيشن” يقول: أن أي ذكاء اصطناعي كي يتقدم يحتاج إلى جسم روبوتي بوسعه التعلم من بيئته والتفاعل معها؛ وإلا فحتى أفضل ذكاء لن يسعه أن ينمّي الشعور بالذات، الذي يمنحنا نحن البشر وجهات نظر شخصية، ويساعدنا على تكوين استنتاجات عن الكون.
استشهد مارك لي بمحاولات حديثة لتعليم خوارزميات الذكاء الاصطناعي، عبر محاكاة الكيفية التي يتعرف بها الرضع على العالَم، وعبر تعلُّم القواعد تدريجيًّا من خلال التجربة والخطأ في البيئة المحيطة أثناء محاولتهم إدراكها وفهمها؛ وهكذا قد تتحلى الروبوتات الذكية ذات يوم بالتقمص الوجداني إلى حد يتيح بناء علاقات معها.
وقال “على الرغم من محدودية الذكاء الاصطناعي الذي بلا جسد، فإن الأبحاث المستقبلية الدائرة حول الأجسام الروبوتية قد تساعد ذات يوم على أن تجعل بين البشر والذكاء تفاعلات اجتماعية قوية ذات تقمص وجداني”.
صحيح أن بناء البرمجيات والأجهزة الذكية على غرار الدماغ البشري أدى بالفعل إلى إحراز تقدم كبير، لكن بعض الخبراء يرون أن التركيز على محاولة محاكاة العقل البشري قد يعوق التقدم في هذا المجال.
وتقول المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، أودري أزولاي المعضلة الأساسية التي يثيرها الذكاء الاصطناعي ليست في أن “يصبح مستقلا، أو يحل محل الذكاء البشري”، "ما يجب أن يشغلنا هو القضايا الأخلاقية الكبرى التي يثيرها الذكاء الاصطناعي”.
المديرة العامة لليونسكو، اكتفت بطرح الإشكالية ولم تقدم الإجابة، لأنها تدرك جيدا أن الإجابة ستأتي متنوعة بحجم تنوع البشر واختلافهم.
أسئلة تفرض نفسها؟
كيف يمكننا التأكد من أن الخوارزميات لن تنتهك حقوق الإنسان الأساسية من الخصوصية وسرية البيانات إلى حرية الاختيار وحرية الضمير؟
هل يمكن ضمان حرية التصرف عندما تكون رغباتنا متوقعة وموجهة؟
كيف يمكننا ضمان عدم تكرار الصور النمطية الاجتماعية والثقافية في برامج الذكاء الاصطناعي، لاسيما عندما يتعلق الأمر بالتمييز بين الجنسين؟
هل يمكن برمجة القيم، وبواسطة من؟
كيف يمكننا ضمان المساءلة عندما تكون القرارات والإجراءات مؤتمتة بالكامل؟
هناك أيضا الفجوة الرقمية التي تعتبر أمرا واقعا، وتتطلب جهدا كبيرا من الحكومات للعمل على ردمها، للتأكد من عدم حرمان أي شخص، أينما كان في العالم، من فوائد هذه التقنيات.
وهل يمكن تحقيق ذلك عمليا؟
خلال العقود الثلاثة الماضية تقدمت تكنولوجيا المعلومات بوتيرة مذهلة، إلا أن هذا التقدم لم يواكبه بالضرورة نفس المستوى من التقدم في النفاذ إلى الإنترنت.
نانجيرا سامبولي، مديرة السياسات العليا في مؤسسة الشبكة العالمية للإنترنت، تؤكد أن “تقدم تكنولوجيات المعلومات والاتصالات، بوتيرة مذهلة، لم يسهل الوصول إلى الإنترنت”، وخاصة عبر شبكة الويب العالمية، رغم أن النفاذ إلى الإنترنت هو العنصر الأكثر أهمية لإطلاق إمكانات التقنيات الجديدة، كما جاء في أهداف التنمية المستدامة، التي أكدت على أهمية الدور الحيوي الذي يمكن أن تلعبه تكنولوجيات المعلومات والاتصالات في هذا الخصوص.
اختلافات جوهرية:-
إن الغاية من الهدف التاسع، كما ورد في قائمة أهداف التنمية المستدامة، هو الوصول الشامل إلى تكنولوجيات المعلومات والاتصالات، لاسيما في أقل البلدان نمواً، بحلول عام 2020، فهل تحقق ذلك؟ مع الأسف لم يتحقق.
ورغم أن وباء كورونا، الذي بدأ في الانتشار مطلع عام 2020، سلط الضوء على أهمية التكنولوجيا الرقمية في مكافحة الوباء، إلا أنه كان أيضا عامل عرقلة لتحقيق الهدف التاسع من أهداف التنمية المستدامة.
الأرقام تؤكد أن نصف سكان العالم فقط كانوا خلال عام 2019 على اتصال بالإنترنت، أي أن حوالي 3.9 مليار شخص ما زالوا خارج مملكة الإنترنت، تعيش أغلبيتهم الساحقة في جنوب الكرة الأرضية، و2 مليار منهم من النساء.
ويعيش تسعة من كل عشرة شباب، ممن لا يجدون فرصة للنفاذ إلى الإنترنت، في أفريقيا أو مناطق في آسيا والمحيط الهادئ.
وبحلول عام 2020 تم ربط 16 في المئة فقط من أفقر دول العالم، و53 في المئة من العالم بأسره بالإنترنت، وفقًا لأرقام صادرة عن “التحالف من أجل إنترنت بأسعار معقولة”.
وحسب التحالف فإن تأثير هذا التأخير في الاتصال “قوّض التنمية العالمية في جميع المجالات، مما ساهم في ضياع فرص النمو الاقتصادي ومنع مئات الملايين من الوصول إلى التعليم عبر الإنترنت والخدمات الصحية والصوت السياسي وغير ذلك الكثير”.