من 31 مايو إلى 3 يونيو 2025، تستضيف هذه المدينة التونسية، التي تئن تحت وطأة التلوث الصناعي منذ عقود، سبعة عشر فيلماً تروي قصصاً عن جروح الكوكب وأمل الإنسان في إنقاذه.
الأردن، ضيف شرف هذا العام، يحمل معه رياح الصحراء وقصصاً تحاكي صمود الطبيعة.
في شوارع قابس، حيث تتسرب الغازات السامة من المجمع الكيميائي وتلوث الواحة البحرية الفريدة، يتحول الفن إلى صرخة مقاومة.
المهرجان، الذي انطلق في 2014، لم يكن مجرد حدث سينمائي، بل صار منبراً عالمياً للتوعية، يجمع أصواتاً من تونس، ليبيا، الجزائر، المغرب، الأردن، العراق، سلطنة عمان، اليمن، السنغال، إيران، تركيا، ألمانيا، اليونان، وبنغلاديش.
هنا، يحكي كل فيلم قصة كفاحٍ ضد التلوث، أو حكاية أملٍ في استعادة التنوع البيولوجي، أو رؤية لتنمية مستدامة تتحدى جشع الصناعة.
وحيدة الدريدي: روح المهرجان وصوت الجنوب
وحيدة الدريدي، الرئيسة الشرفية والمنظمة لهذه الدورة، تجسد روح المقاومة البيئية في قابس، في كلمتها خلال المؤتمر الصحفي، قالت بحماس: "خرجت على السطر، كما يقول أهل الجنوب، لأن هذه الدورة ليست ككل الدورات.، قررنا نغيّر، نطلع من الخريف المعتاد ونحتفل بالربيع في قلب واحة قابس."
وأضافت أنها تولت تنظيم الدورة السادسة مع فريق المهرجان، بقيادة فؤاد كريم، لتقديم حدث لوجستي وتنظيمي يعكس قوة المجتمع المدني في قابس.
وأكدت وحيدة،أن اختيار الأفلام وتنظيم الفعاليات يعكس التزاماً بمواجهة مشاكل التلوث، بدعمها وجهودها، أصبح المهرجان منارة تجذب الدعم والمستشهرين، معززةً صوت الجنوب في معركته البيئية.
افتتاح بنكهة درامية
افتتاح المهرجان يحمل نكهة درامية مع فيلم "ترويدة" للمخرجة الأردنية مونى أبو سمرا، حيث تتقاطع قسوة الصحراء مع تغيرات المناخ في قصة باحثة جيولوجية تكافح للنجاة بعد كارثة مناخية.
الفيلم ليس مجرد حكاية، بل صورة لصراع الإنسان مع طبيعةٍ أُنهكت حتى ثارت.
وفي المسابقة الرسمية، تتألق أعمال مثل "برباشى" و"زريعة" من تونس، و"الجذور" من الجزائر، و"ماسة بين الحياة والأرض" من المغرب، كلها تحمل في طياتها صوت الأرض المغلوبة على أمرها.
لكن المهرجان لا يقتصر على الشاشات. في شوارع قابس، تنبض الحياة بعروض العرائس وورشاتها، التي تنظم بالتعاون مع المركز الوطني لفنون العرائس، لتزرع البسمة والوعي في قلوب الأطفال والكبار على حد سواء.
ومع تكريم فنانين مثل صالح الجدي وهيلين كاتزاراس، يصبح المهرجان جسراً بين الفن والالتزام الإنساني.
تحت رئاسة الممثل التونسي خالد بوزيد، تجتمع لجنة تحكيم تضم أسماء لامعة مثل عبير عيسى من الأردن ومصطفى الشوكي من العراق، لتقييم الأفلام التي اختيرت بعناية من بين 59 عملاً مرشحاً.
هذه الأفلام ليست مجرد صور متحركة، بل هي وثائق حية تنقل معاناة قابس، التي تختنق منذ أكثر من نصف قرن بفعل الإفرازات الكيميائية والفوسفوجبس الذي يُلقى في أحضان البحر.
في قابس، حيث يصارع السكان التلوث والإهمال، يتحول المهرجان إلى صوتٍ للأرض المنسية. إنه ليس مجرد احتفال بالسينما، بل هو دعوة للتأمل، للنقاش، وللبحث عن حلول. بين صمت الواحة المُهددة وضجيج الأفلام الملهمة، تقاوم قابس، ومعها العالم، لأجل غدٍ أنظف، وأملٍ أكبر.