اليوم الإعلامي المفتوح الذي تنظمه وكالة إحياء التّراث والتنمية الثقافيّة للتعريف بالتّراث الثّقافي المغمور بالمياه التونسية، يجمع بين السياحة الثقافية والترفيهية، بمنطقة سيدي الرايس من ولاية نابل على بعد 46كلم عن العاصمة التونسية.
وحرصا منها على أن يكون اليوم الإعلامي متكاملاـ فإنه سينتظم متوازيا مع الورشة التدريبية التونسية-الفرنسية لطرق وتقنيات البحث الاثري المغمور بالمياه في نسختها الثالثة التي تنتظم من 23 يوليو إلى 3 أغسطس 2023 .
توثيق ودراسة المواقع الأثرية للسفن المغمورة بالمياه
وتهدف الورشة التدريبية إلى تدريب المشاركين على أساليب وتقنيات المسح والبحث الأثري تحت المياه وتوثيق ودراسة المواقع الأثرية للسفن المغمورة بالمياه وهياكل السفن واللقى الأثرية المستخرجة من البحر.
ويتضمن برنامج الورشة التدريبية في نسختها الثالثة القيام بمسوحات أثرية تهدف لاستكمال اكتشاف المناطق المحيطة بموقع الداموس الكبير عرض ساحل سيدي الرايس ومنطقة الميناء القديم إضافة إلى القيام بأسبار أولية لبقايا حطام سفينة كاربيس3 المتكونة من جرار فخارية إفريقية تعود إلى القرن الرابع للميلاد المكتشفة السنة الفارطة.
وتنظّم هذه الورشة في إطار شراكة بين المعهد الوطني للتراث والمعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس وجامعة بيربينيان فيا دوميتيا الفرنسية بدعم لوجستي وفني من جمعية عروس المتوسط والجامعة التونسية لأنشطة الغوص والإنقاذ وجمعية أبحاث تحت الماء بروسيليون الفرنسية.
كاربيس وطريق الحرير
أعمال المسح لشط سيدي الرايس بدأت منذ عام 2017 لتستمر إلى 2019، وقد تم العثور على بقايا سفن غارقة تعود الى فترات تاريخية مختلفة، وهذا مذكور في المصادر الكلاسيكية تحت اسم "كاربيس"، وهو الاسم القديم لهذه المدينة البحرية.
وقد يكشف هذا الإرث الأثري على أن المياه التونسية كانت ممرا تجاريا هاما، وربما مركزا اقتصاديا في حقبة تاريخية ما، نظرا لأن معظم القطع التي تم العثور عليها هي لسفن غارقة، وبقايا الموانئ القديمة التابعة للمدن المطلة على السواحل التونسية بحسب المكلّفة بالبحوث في التراث الثقافي المغمورة بالمياه بالمعهد الوطني للتّراث، وفاء بن سليمان.
وبحسب موقع اليونيسكو فقد هلك العديد من السفن التي عبرت طريق الحرير البحري على مر الزمن، وبات حطامها قابعاً في قاع المحيطات والبحار مشكلاً مصدراً هاماً للمعلومات التاريخية.
وتُصنّف أطلال المدن والموانئ التي غمرتها المياه وحطام السفن التي غرقت على أنها من التراث الثقافي المغمور بالمياه الذي تحميه اتفاقية اليونسكو لعام ٢٠٠١.
وفي الأفق برامج تعاون دولي بين تونس والبلدان ذات الخبرة في هذا المجال مثل فرنسا وإيطاليا ومصر من أجل تحقيق الاستفادة القصوى من الأثار المغمورة بالمياه.
تقنيات في البحث الأثري تحت الماء
عديدة هي التقنيات الحديثة التي تستخدم للغوص تحت الماء والكشف عن الآثار حيث يستخدم الغوص التقني أدوات مثل أجهزة الاستشعار عن بعد والكاميرات المحمولة للمساعدة في البحث عن الآثار تحت الماء، ويتم استخدام هذه التقنيات لتحديد مواقع الآثار وتحديد أحجامها وأعماقها ودرجات التآكل.
ويستخدم التصوير بالتحت المائية كاميرات محمولة تحت الماء أو كاميرات بدون طيار لالتقاط صور الآثار تحت الماء. تستخدم هذه الصور لتحديد المواقع والأحجام والأشكال والعمق والتآكل والتحليل الهيكلي للآثار.
كما تستخدم التقنيات الصوتية والإشعاعية مثل السونار والرادار للكشف عن الآثار تحت الماء. تعمل هذه الأدوات على إرسال موجات صوتية أو إشعاعية ترتد عن الآثار تحت الماء وتعيد الإشارة إلى الجهاز، مما يساعد على تحديد المواقع والأحجام والأشكال والتآكل.
دون أن ننسى التقنيات الليزرية للكشف عن الآثار تحت الماء. يتم إرسال ضوء الليزر على السطح المحيط بالآثار، ويتم قياس الضوء المنعكس لتحديد المواقع والأحجام والأشكال والتآكل.
و يمكن استخدام هذه التقنيات في البحث عن الآثار في المحيطات والبحار، بينما تختلف بعض التقنيات عند استخدامها في المحيطات والبحار بسبب عمق المياه وتأثير الضوء والطيف الكهرومغناطيسي في المياه.
آثار تونسية ومصرية
تونس ومصر هما دولتان تحتويان على العديد من الآثار المغمورة تحت المياه. وتتميز هذه الآثار بأنها تعود إلى فترات تاريخية مختلفة، منذ العصور القديمة وحتى العصور الوسطى.
في تونس، يوجد العديد من المواقع التي يمكن العثور فيها على الآثار المغمورة تحت المياه، بما في ذلك سواحل جزيرة جربة ومنطقة سيدي الرايس في ولاية نابل الذي يعتبر من أهم المواقع الأثرية في تونس، ويضم العديد من الآثار المغمورة تحت المياه، بما في ذلك حطام سفن قديمة وآثار رومانية وبيزنطية، ويعود تاريخ بعض هذه الآثار إلى القرن الخامس الميلادي.
أما في مصر، فإن الأهرامات والمعابد هي الآثار الأثرية الأشهر في البلاد، ولكن هناك أيضًا الكثير من الآثار المغمورة تحت المياه في مصر، بما في ذلك مدينة هراكليون الغارقة في البحر المتوسط، وهي مدينة قديمة تعود للعصر البرونزي. كما توجد آثار أخرى مغمورة في نهر النيل، بما في ذلك مدينة ثينيس القديمة ومدينة أبو الخصيب في الصعيد المصري.
تحتوي هذه الآثار المغمورة تحت المياه على الكثير من المعلومات القيمة حول التاريخ والحضارات القديمة، وتوفر فرصًا جديدة للبحث والاستكشاف في مجال الآثار القديمة. ومن المهم حماية هذه الآثار والحفاظ عليها للأجيال القادمة.