وبعد أن بدأ النظام النازي بترحيل اليهود ونقلهم الى معسكرات الإبادة، احتاجت صديقته آنا، اليهودية التي بلغت من العمر 16 عاما في ذلك الوقت، الى الاختباء من النظام النازي، فساعدها حلمي الذي على ما يبدو، أعجب بها اثناء فترة اختبائها عنده.
وطوال سنوات الحكم النازي، وفّر حلمي لبوروز ملاذا آمنا كلّما خضع للتحقيق، أو كلما وصلت معلومات للشرطة النازية السريّة حول قيامه بإخفاء يهودية من النظام.
وفي الرسائل التي تم الكشف عنها مؤخرا، واستندت مؤسسة "ياد فاشيم" اليها لتكرّم الطبيب حلمي وتمنحه وسام "أنصار الشعب اليهودي"، فإن بوروز كتبت في مذكراتها أن "حلمي كان ينجح بالاستمرار من التهرّب عن كشف امري للمحققين طوال فترات اعتقاله، وكان يقدّمني لأصدقائه على أنني قريبته".
وأشارت بوروز في مذكرتها الى أن "حلمي كان صديقا حميما للعائلة، وساعدني على الاختباء في حي بوخ في برلين منذ 10 من شهر آذار/مارس عام 1942 وحتى انتهاء الحرب العالمية 1945".
وتقول في مذكراتها إنها "منذ عام 1942 فقدت كل أشكال التواصل مع العالم الخارجي، وكان الجستابو (أي الشرطة السرية النازية) تعلم أن حلمي كان طبيب العائلة، وكانوا يعرفون أن لديه كوخا في حي بوخ في برلين".
وتكشف مذكرة أخرى أن الطبيب حلمي ساعدها على إصدار وثيقة زواج وهمية من مسلم لإخفاء انتمائها الديني، وتم تسميتها باسم ناديا للإشارة الى أنها مسلمة وليست يهودية بل ووضعت الحجاب الاسلامي لتضليل الشرطة السرية النازية ومنع اعتقالها ونقلها لمعسكرات الإبادة.
وتشير المذكرات التي تم الكشف عنها عام 2013، أن الطبيب محمد حلمي ساعد أيضا والدة بوروز وزوجها وجدتها من طرف أمها على الاختباء، وقدّم لهم المساعدات الطبيّة اللازمة.
كما وفّر حلمي للجدة أيضا مخبأ لمدة عام كامل".
وحين قبضت الشرطة النازية علي زوج والدة بوروز التي اشتهرت باسم جوتمان، بعد الحرب العالمية الثانية عام 1944 وتم التحقيق معه بعنف، اكتشف الجستابو أن حلمي كان يساعد العائلة وأنه كان يخبئ آنا، وعندها قام الطبيب محمد حلمي في الحال بنقل الشابة آنا الى مخبأ آخر تجنبا للعقوبة.
وتزوج الطبيب محمد حلمي، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وهزيمة النازيين، من فتاة المانية (ليست آنا) وعمل طبيبا في برلين، وكان يتردد على مصر لزيارة أقربائه، لكنّه رفض وزوجته إنجاب الأطفال خوفا من الحروب لأنهما أرادا ألا يعيش أطفالهما بعد بالظروف التي عاشها الوالدان.
كما واصل حلمي تبادل الزيارات مع الفتاة اليهودية آنا بوروز، والتقيا عدة مرات في برلين.
ثم تزوجت بوروز من شاب يهودي من أصول بولندية فيما بعد، وهاجرت برفقة زوجها الى الولايات المتحدة واقاما هناك أسرة حتى وفاتها عام 1986.
ووصولا الى عام 2013 بعد أن تم الكشف عن كل هذه التفاصيل، توجهت مؤسسة ياد فاشيم الى وسائل الاعلام والسفارة المصرية للبحث عن قريب لمحمد حلمي في مصر، وبعد أن تم العثور على قريبة له قالت إن "العائلة ستكون سعيدة لو أن الوسام من دولة أخرى".
وبعد ذلك نجح صحفي ألماني في العثور على قريب آخر لحلمي في مصر، إلا أن الأقرباء أبلغوا الصحفي أن "ياد فاشيم هي مؤسسة مرتبطة بالسياسة وتمثل دولة إسرائيل، وهي لا تمثل كل اليهود أينما كانوا، كما وأن إسرائيل أنشئت عام 1948، وخلال فترة الحرب العالمية الثانية لم تكن هذه المؤسسة كي تمثل أقرباء ضحايا المحرقة النازية".
وأقرباء حلمي بالأساس رفضوا الوسام بسبب النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، إذ أكدت العائلة أن "أحد أبناء العائلة قتل خلال حروب بين إسرائيل ومصر، ومن ناحية العائلة فإن حلمي لم ينقذ بوروز لكونها يهودية إنما لكونها انسانة قبل كل شيء، ومحاولات المؤسسة بمنح حلمي هذا الوسام لأنه أنقذ يهود هو أمر غير منطقي" وفق ما ذكرت صحيفة هآرتس في تقرير لها.
ومنذ عام 2013، أكدت عائلة حلمي المصرية إن "أفرادها ينشطون ضد العنصرية، ويدعمون التآخي بين المسلمين واليهود والمسيحيين في مصر، وتشدد العائلة على أواصر العلاقات بين العائلة واليهود في مصر طوال نحو قرن من الزمن"، مشيرة العائلة الى أن اليهود الذين سكنوا في مصر هم مفخرة، مشيرة الى مساهمتهم في السياسة والفن والاقتصاد، كما وأكد أحد أقرباء العائلة أن قريبا آخر تزوّج من يهودية مصرية.
وبعد مرور 4 سنوات على قرار منح الجائزة، بدأت مؤسسة "ياد فاشيم" بالبحث عن أقرباء محمد حلمي في مصر، سعيا لإقناع أحدهم بالقدوم الى اسرائيل لتسلم الوسام، ومؤخرا وافق أحد أقربائه ويدعى ناصر قطبي، وهو بروفيسور في الطب ويبلغ من عمره 81 عاما، وسيحصل على الوسام من السفير الإسرائيلي في برلين جيرمي يششخروف الخميس القادم في مبنى وزارة الخارجية الالمانية.
وقال يششخروف في تعليقه على الحفل التكريمي الخميس القادم، إن "حلمي أثبت أن المسلمين واليهود يمكنهم ليس فقط أن يكونوا حلفاء، إنما المخاطرة بالحياة من أجل إنقاذ اليهود، وهو نموذج يضعنا في طريق آخر مختلف عمّا يحاول الآخرين بتعميق الفجوة بين اليهود والمسلمين – طريق التعاطف والالتزام التي تتغلب في الإنسانية على كافة الاعتبارات الأخرى، بغض النظر عن الانتماء الديني، العرقي، أو الجنسي".
ومنذ تأسيس منظمة "ياد فاشيم" عام 1953 بقرار من الكنيست الإسرائيلي كمركز أبحاث في أحداث الهولوكوست ولتخليد ذكرى ضحايا المحرقة النازية من اليهود، قامت المؤسسة بمنح وسام "أنصار الشعب اليهودي" لنحو 26 ألف شخص حول العالم من 44 دولة ومن مختلف القوميات حول العالم، بينهم عشرات المسلمين غير العرب، غير ان الطبيب محمد حلمي هو العربي الاول الذي يمنح هذا الوسام.