بفضل تقنياته المتطورة، تمكن العلماء من التقاط صور تفصيلية لسطح الشمس، كشفت عن تفاعلات مغناطيسية دقيقة تُعيد صياغة فهمنا لديناميكيات النجم الأقرب إلينا.
نُشرت هذه الاكتشافات مؤخرًا في دورية The Astrophysical Journal Letters، وتُمثل نقلة نوعية في دراسة النشاط الشمسي.
اقرأ ايضأ:-
التفاعلات المغناطيسية الدقيقة
استخدم الباحثون أداة "مصور النطاق العريض المرئي" (VBI) في التلسكوب لتتبع ظواهر مغناطيسية دقيقة تُعرف بـ"التشققات المغناطيسية".
هذه الخطوط، التي يبلغ عرضها حوالي 20 كيلومترًا فقط (أي ما يعادل طول جزيرة مانهاتن)، تظهر على جدران الحبيبات الشمسية، وهي خلايا حمل حراري ضخمة تنقل البلازما الساخنة من باطن الشمس إلى سطحها.
تُشبه هذه التشققات ستائر متمايلة تتحرك عبر السطح الشمسي، حيث يتغير سطوعها بين الفاتح والداكن بناءً على قوة المجال المغناطيسي. هذه الظاهرة تُبرز التفاعلات المعقدة بين الحقول المغناطيسية وحركة البلازما، مما يوفر رؤية جديدة للآليات التي تحكم النشاط الشمسي.
تقنيات الرصد المتقدمة
اعتمد العلماء على النطاق الضوئي "G"، وهو نطاق حساس بشكل خاص للنشاط المغناطيسي، لعزل هذه الظواهر الدقيقة. قارن الباحثون، بقيادة مؤسسة العلوم الوطنية (NSF)، هذه الملاحظات مع نماذج محاكاة حاسوبية متطورة، فوجدوا تطابقًا مذهلاً يؤكد صحة النظريات حول سلوك الحقول المغناطيسية الشمسية.
يشرح ديفيد كوريذزه، العالم الرئيسي في الدراسة، أن هذه الخطوط الدقيقة تُمثل "بصمات" للتغيرات الطفيفة في المجال المغناطيسي، بينما يضيف هان أوتينبروك أن هذه الاكتشافات لا تقتصر على الشمس، بل قد تمتد لتشمل ظواهر مماثلة في أجرام كونية بعيدة، مثل السحب الجزيئية، مما يفتح آفاقًا جديدة في الفيزياء الفلكية.
تأثيرات الطقس الفضائي
تأتي هذه الاكتشافات في وقت حرج، حيث تقترب الشمس من ذروة نشاطها في دورتها الحادية عشرة التي تمتد لـ11 عامًا. في مايو 2024، شهدت الأرض عاصفة مغناطيسية من الفئة G5، وهي الأعلى تصنيفًا، تسببت في اضطرابات في شبكات الطاقة، وظهور أضواء شفقية خلابة، وتأثيرات ملحوظة على الأقمار الصناعية بسبب التغيرات في كثافة الغلاف الجوي العلوي.
تُبرز هذه الأحداث أهمية فهم التفاعلات المغناطيسية الشمسية لتحسين التنبؤ بالطقس الفضائي، الذي يؤثر على تقنياتنا الحديثة، بما في ذلك أنظمة الاتصالات، الملاحة، وشبكات الطاقة.
آفاق مستقبلية
على الرغم من أن الشمس تبعد عنا حوالي 150 مليون كيلومتر وتُدرس منذ قرون، إلا أن هذه الأرصاد الحديثة تُثبت أن هناك الكثير مما يزال مجهولًا عن نجمنا.
من خلال مواصلة دراسة هذه التفاعلات المغناطيسية الدقيقة، يأمل العلماء في تطوير نماذج أكثر دقة للتنبؤ بالانفجارات الشمسية والعواصف المغناطيسية. هذه الجهود لن تُعزز فهمنا للشمس فحسب، بل ستُسهم أيضًا في حماية البنية التحتية التكنولوجية على الأرض من التأثيرات الكونية.
يمثل تلسكوب "دانيال ك. إينوي" قفزة نوعية في رصد الشمس، حيث كشفت صوره عالية الدقة عن تفاصيل دقيقة تُعيد تشكيل فهمنا للنشاط الشمسي. من خلال دراسة التشققات المغناطيسية والحقول المتحركة، يقترب العلماء من كشف أسرار الشمس وتأثيراتها على كوكبنا.
هذه الاكتشافات ليست مجرد إنجاز علمي، بل خطوة حاسمة نحو فهم أعمق للكون وتفاعلاته المعقدة، مما يُعزز قدرتنا على مواجهة التحديات التي تفرضها الظواهر الفضائية على حياتنا اليومية.