قبل بضعة أعوام، قرَّرتُ أن أشرح ما يُسمَّى «الطيور والنحل» لابنتي التي تبلغ من العمر 11 عامًا، لأنني أعتقد أنه ينبغي تنمية الفهم الصحيح عن أجسامنا والعلاقة الجنسية في مرحلة الطفولة.
واندهشت من المعلومات التي لديها بالفعل في هذا الموضوع. ومن خبرتي في العيش والعمل مع الشباب، اتضح لي أن الأوضاع تبدَّلت وتغيَّرت.
فقد ولَّت الأيام التي كنَّا نعتبر فيها الشباب مجرد أرقام، وتابعين سلبيين، أو جيلًا ينتظر المشورة والتوجيه من الوالدين.
وبفضل وعيهم الاجتماعي والتقنيات الحديثة، أصبح الشباب في المنطقة العربية عوامل تغيير.
ويستخدم جيل الألفية الثالثة في المنطقة العربية وسائل التواصل الاجتماعي لبث همومهم وهواجسهم وتغيير وضعهم القائم. وأثبتت الشخصيات المؤثِّرة والمبتكرون في المنطقة العربية أن بمقدورهم تحقيق تغيُّر اجتماعي، وحشد مجتمعاتهم المحلية دفاعًا عن قضية معينة.
ومما يثير الإعجاب مشاهدة أحمد الغندور المُلقَّب بالدحيح - و«هي كلمة مصرية تعني من يشتغل بالاستذكار ولا يترك الكتاب»- ومعرفة كيف أن عروضه على موقع يوتيوب عن تبسيط العلوم والسياسة والفنون والفلسفة ومواضيع أخرى تصل إلى نحو 20 مليون مشاهد.
وتصدُق المقولة نفسها على حنين شعت من فلسطين التي أطلقت حملة توعية عن الأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع غزة.
نجحت حنين في تغيير المفاهيم الاجتماعية عن هذه الشريحة المُهمَّشة من الناس، ليس هذا فحسب، بل تفوَّقت في ابتكار برامج تشغيل لتحفيز ذوي الإعاقة ودمجهم الكامل في المجتمع.
واليوم أعمار 274 مليون عربي دون الثلاثين، وهو عدد ضخم ومورد ينطوي على إمكانيات هائلة في أنحاء المنطقة العربية.
كثيرًا ما نسمع عبارة «يجب علينا الاستثمار في الشباب». ولكن ماذا يعني حقًّا الاستثمار في الشباب؟ أولًا، يجب على الدول أن تجعل الشباب في صميم أولوياتها للتشغيل والتنمية.
ومع أن عدة دول عربية تحرز تقدمًا في هذا الشأن بإقرار سياسات لتمكين الشباب، فإنه يجب عليها أن تبذل المزيد من الجهد للاستفادة من هذا العائد الديموغرافي، لأن الشباب يواجهون تحديات جسيمة.
فالمنطقة العربية لا تزال تشهد مستويات مرتفعة من زواج القُصَّر، وحمْل المراهقات، ووفيات الأمهات، والهجرة إلى الخارج، والاضطرابات السياسية، والبطالة. وعلى الرغم من أن هذه المواضيع على نفس القدر من الأهمية، فإنه يجب على الدول تقسيمها إلى مجالات ذات أولوية حتى يتسنَّى لها أن تُسخِّر على نحو فعَّال هذا الحجم السكاني الكبير في تحقيق تنمية سريعة.
فيُمكِن للمغرب أن يجعل الأولوية لتحقيق هدف التعليم للجميع، أمَّا الكويت فقد تُقرِّر التركيز على الابتكار. ويجب على كل دولة أن تتصرف وفقًا لأولوياتها الوطنية، وتوجيه تنفيذ السياسات، والخدمات، والبرامج المتصلة بالشباب على هذا الأساس. لكن الدول العربية لن تستطيع وحدها أن تفعل ذلك.
ويستلزم هذا جهدًا جماعيًّا بالتعاون مع المنظمات المحلية ومؤسسات دولية مثل صندوق الأمم المتحدة للسكان لإشراك كل أصحاب المصلحة على مستوى الدولة، ومنهم الشباب، وذلك عن طريق الحوار بشأن السياسات وما شابه ذلك، من أجل جني ثمار هذا العائد الديموغرافي.
أولًا، يتطلب وضع السياسات والاستثمار في الشباب أن تكون الحكومات على دراية بمواصفات هذه الشريحة السكانية من حيث الحجم ونوع الجنس والموقع والتصنيف العمري للسكان في الوقت الحالي، والتنبؤ الدقيق بأعدادهم في المستقبل.
وثانيًا، ينبغي للدول العربية أن تدرك أن السياسات التقليدية لم تعد صالحة لأوضاع غير تقليدية.
ومن الضروري اتباع نهج مُنظَّم ومبتكر يستند إلى التفكير التصميمي لمعالجة هذه المشاكل المُعقَّدة.
ويجب البحث عن أساليب جديدة للتفكير في الحلول على نحو يُلبِّي احتياجات الشباب بدرجة أكبر من الفاعلية. ويعني هذا في التطبيق العملي أنه يجب علينا اعتماد عقلية