أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة: الاغتيالات تحدث حين تنعدم احتمالات الحصول على معلومات من شخصيات بعد اعتقالهم، لكن عمليتيْ اغتيالٍ، قام بهما الموساد، غيرتا وجه تاريخ إسرائيل، أولهما فتحي الشقاقي زعيم الجهاد الإسلاميّ، في مالطا عام 1995، فدخل التنظيم بعدها جمودًا عميقًا لعدّة سنواتٍ.
أمّا الثاني فهو، اغتيال عماد مغنية، الذي قتل في شباط (فبراير) 2008، وبعد تولي 3 قادة آخرين أتوا بدلاً منه، لكنّهم لم ينجحوا في ملء الفراغ الذي تركه، ما يؤكّد أنّ هناك قيادات من الصعب أنْ تعثر لهم على وريثٍ بعد اغتيالهم.
هذا ما كشفه مُحلِّل الشؤون العسكريّة في القناة الـ13 بالتلفزيون العبريّ، ألون بن دافيد، وقال إنّ الاغتيالات الإسرائيليّة بدأت بصورة نظاميّةٍ فور عملية ميونيخ (السادس من شهر أيلول “سبتمبر” من العام 1972)، حينها أصدرت رئيسة الوزراء غولدا مائير تعليماتها لرئيس الموساد (الاستخبارات الخارجيّة) تسيفي زمير قائلةً: “اقتلهم، أخرِجهم من اللعبة”، ونفذّت إسرائيل منذ تلك الفترة مئات الاغتيالات.
وأضاف أن بعض هذه الاغتيالات نجحت بإحداث تغييرٍ في الوضع القائم، واغتيالات أخرى كانت خاطئةً، ونوع ثالث من الاغتيالات جاءت انتقامًا شخصيًا، على حدّ قوله. ولفت إلى أنّ اغتيال عباس الموسوي، زعيم حزب الله السابق، في 1993، كان اغتيالاً فاشلاً بامتياز، وأنّ هناك الكثير من الإسرائيليين اليوم لا يتمنّون اغتيال حسن نصر الله، لأنّه بات كنزًا لإسرائيل، فقد التزم الهدوء بعد أنْ تلقّى ضربةً قاسيّةً في حرب لبنان الثانية 2006، وهو مختبئ تحت الأرض، مُشدّدًا على أنّ هناك اغتيالات يغلب عليها البعد الشخصيّ للانتقام أكثر من ترميم الردع أوْ الحصانة، وأهمها نموذج مشعل، حيثُ أكّد بعض المشاركين في محاولة اغتياله في محادثاتٍ مُغلقةٍ معي أنّهم ذاهبون إلى فشلٍ وإخفاقٍ.
وزعم أنّ قرار اغتيال مشعل اتخذ بعد سلسلة العمليات التفجيريّة الكبيرة التي نفذتها حماس في القدس، فالمستوى السياسيّ بحث عن ردٍّ فوريٍّ، وقرر استهداف مشعل الذي أقام في الأردن آنذاك، وكذلك اغتيال أبو جهاد، الذي جاء ردًا على اندلاع الانتفاضة الأولى في 1987، وشكلّت قيادته للأحداث آنذاك توترًا عصبيًا لدى صناع القرار بالكيان.
واعترف الكاتب أنّ المستوى العملياتيّ المهنيّ توجّب عليه أنْ يُبلِغ رئيس الوزراء آنذاك بنيامين نتنياهو أنّ مستوى المخاطرة كبير جدًا، ونحن لن نقوم بهذه العملية، ومستويات ميدانية أخرى كانت مُطالبةً بالإعلان عن صعوبة تنفيذ العملية، فنتنياهو لا يعلم عمل وحدة “كيدون” التابعة للموساد التي نفذت العملية، فيما هناك رؤساء وزراء عرفوا طبيعة عملها.
وشدّدّ على أنّ اغتيال المهندِس يحيى عياش، في كانون الأول (يناير) 1996، جاء ردًا على سلسلة العمليات التفجيريّة بتل أبيب، ونجح الشاباك في إدخال هاتفٍ محمولٍ لغزّة، مفخخ بـ10 غرامات من المتفجرات، فشل الاغتيال في المرة الأولى، بسبب خطأ في تركيب أسلاك المتفجرات، وفي المرة الثانيّة تمّ إعادة الهاتف إليه، وحينها نجحت المحاولة من جديد.
كما كشف بن دافيد بعض الأسرار والمفاجآت التي أحاطت بهذه الاغتيالات، ففي محاولة اغتيال مشعل تمّ استخدام حقنة سامة، من خلال إشغاله بفتح علبة مشروبٍ غازيٍّ، وتدرّب عملاء الموساد على هذه العملية عشرات المرات، وهم يتجولون في شارع (ديزنغوف) وسط تل أبيب، لكن المحاولة فشلت، بسبب التسرّع بالتنفيذ، وجمع المعلومات غير الناضجة، مؤكِّدًا أنّ العمليات التي خطّطّ لها عياش غيّرت التاريخ الإسرائيليّ، بما فيها انهيار عملية أوسلو، وقتل إسحق رابين، مع أنّ عياش قاتَل إسرائيل دون أيّ ارتباطٍ ميدانيٍّ، لكن مجزرة الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل ساهمت كثيرًا في دفعه لهذا الطريق، قال بن دافيد، نقلاً عن المصادر الأمنيّة واسعة الاطلاع بالكيان.
بن دافيد هو منتِج السلسلة الوثائقيّة المسماة “قائمة الاغتيالات”، التي تسرد من وجهة النظر الإسرائيليّة عمليات اغتيال يحيى عياش، وخليل الوزير، وسمير القنطار، وعلي حسن سلامة، ومُحاولة اغتيال خالد مشعل، وكشفت قسمًا كبيرًا من أسرار هذه الاغتيالات، علمًا أنّها خضعت لمقّص الرقيب العسكريّ بتل أبيب.