وكان برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة أشار إلى أن نحو 25 مليون شخص من سكان السودان البالغ عددهم أكثر من 42 مليون نسمة يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، بينهم 18 مليون شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي، ومن بين هؤلاء قرابة 5 ملايين على شفا الكارثة، مما يعد ثاني أسوأ تصنيف يعتمده هذا البرنامج لحالات الطوارئ بعد تصنيف المجاعة.
هذا الوضع الإنساني المتأزم بسبب عرقلة المساعدات الإنسانية ومنع وصولها إلى المتضررين ينبئ بكارثة لا تحمد عقباها، مما يعني إدراج الغذاء سلاحاً جديداً في هذه الحرب، فكيف يرى المراقبون هذا الوضع في ظل استمرار الحرب؟
أوضاع معقدة
في السياق، قال عضو غرف طوارئ أم درمان أحمد عبدالرحمن إن "حياة مواطني العاصمة بمدنها الثلاث، الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري، الذين لم يستطيعوا النزوح، تسير نحو مصير مجهول، ويحاصرهم الموت جوعاً بسبب الحصار الاقتصادي المتأزم الذي يمارسه طرفا الصراع منذ اندلاع الحرب نظراً إلى عدم وجود ممرات آمنة، مما أدى إلى توقف المساعدات الإنسانية التي من شأنها تخفيف أعباء المعاناة الحياتية، في ظل نفاد مدخراتهم المالية والغذائية".
وأضاف عبدالرحمن "بعد اتساع رقعة الحرب واجتياح الولايات الآمنة، باتت الأسر النازحة أمام خيارات صعبة، واضطر معظمهم إلى العودة لمنازلهم والصبر على قسوة الحياة لتتفاقم معاناتهم المعيشية في ظل شح وندرة السلع الاستهلاكية، وفي حال توافرها تباع بأثمان باهظة، إلى جانب توقف المطابخ الخيرية الجماعية التي ظلت تقدم الوجبات للمواطنين منذ اندلاع الحرب بصورة يومية".
وأشار عضو الطوارئ إلى أنه يصعب على العائلات تحمل هذه الأوضاع الكارثية، فإذا لم يتوصل الطرفان المتصارعان إلى حل لانسياب المساعدات الإنسانية، فإن المدنيين سيواجهون حالات جوع مدقع وخطر مجاعة وشيكة، وأكد أن انقطاع شبكات الاتصال والإنترنت كان له الأثر في عدم مواصلة غرف الطوارئ مهامها في ما يخص جمع التبرعات وشراء السلع الغذائية وتوزيعها على المواطنين.
الموت جوعاً
واعتبر المتحدث باسم منسقية النازحين واللاجئين في دارفور آدم رجال أن "النازحين في المعسكرات بإقليم دارفور يعيشون أوضاعاً معيشية مزرية، وهم يعانون الموت والجوع والاستهداف من طرفي الصراع، وذلك بالتحفظ على المساعدات الإنسانية، فضلاً عن عدم فتح المسارات الآمنة، وإعاقة وصول المساعدات التي تقدمها المنظمات الدولية والمحلية للمتضررين في مناطق الصراع والنزوح بمختلف أنحاء البلاد". وأضاف رجال أن "النقص في الغذاء أدى إلى تزايد أعداد الضحايا ولا سيما بعد الإصابة بالأمراض والأوبئة، بخاصة أمراض سوء التغذية الحادة ولا سيما الإسهال ونقص المناعة".
وتابع "لا بد من التوصل إلى تفاهمات لدخول المساعدات الإنسانية، وعدم التنصل من الاتفاقات المبرمة في منبر جدة، في ما يتعلق بالجوانب الإنسانية"، ولفت منسق النازحين بدارفور إلى أنه "على رغم الأوضاع القاسية، فإن النازحين يمارسون مهناً ذات مداخيل محدودة لا يمكن أن توفر لهم أساسات الحياة، وبسبب التوترات الأمنية توقفت مصادر أرزاقهم".
حل سياسي
وسط هذه الأجواء، قال المتخصص العسكري والاستراتيجي أمين مجذوب إسماعيل "بات من الواضح أن تعطيل مرور المواد الإغاثية وحجزها وعدم وصولها إلى المتضررين في مناطق النزاع النشط الواقع تحت سيطرة الدعم السريع أمر متعمد"، وتابع مجذوب "هناك أيضاً تهم وجهتها الخارجية الأميركية إلى الجيش السوداني بعدم رغبته في إدخال المساعدات عبر مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، لا سيما أن الحكومة السودانية تعتبر أن هذا الأمر يضعف من مكانتها، في وقت لا تريد فيه تكرار تجربة برنامج شريان الحياة في تسعينيات القرن الماضي، إذ كانت الحكومة تمنع دخول المساعدات الإنسانية إلى مناطق سيطرة الجيش الشعبي إبان حرب الجنوب".
وأشار المتخصص العسكري إلى أنه على طرفي الصراع التزام معاهداتهما التي طرحت في منبر جدة التفاوضي وإيجاد حل سياسي لإنقاذ أرواح المواطنين الذين يعيشون تحت نيران الحرب والجوع.
ولفت إلى أن "محاولة قائد الدعم السريع (محمد حمدان دقلو) تبرئة قواته بإبعاد التهم عنها بأنها ليست طرفاً في إعاقة المساعدات الإنسانية، ومناشدته المجتمعات الدولية إنقاذ المدنيين من خطر الجوع وتحميل الجيش مسؤولية عدم مرور المساعدات، كلام فيه كثير من التناقض، لأنه ظل يغض النظر عن حجم الانتهاكات التي ترتكبها ميليشياته بخاصة في دارفور".
اندبندنت عربية