كان ضابطا فى الجيش المصرى فى أربعينيات القرن الماضى، ووصول لمنصب رئيس الجمهورية فى مرحلة دقيقة للغاية وصعبة، كانت مصر حينها تعرضت لنكسة فى عام 1967، ووفاة الزعيم جمال عبد الناصر الذى حزن عليه الشعب المصرى كثيرا.
وجد السادات نفسه مسؤولا عن بلد يسعى لاستعادة أراضيه، ويعيش فى مرحلة «لا سلم ولا حرب»، ليتمكن الرئيس الراحل من تحقيق النصر على اسرائيل وإعادة مصر لمكانتها وقوتها إقليميا ودوليا، ويبدأ عصر الانفتاح ويعيد الحياة الحزبية من جديد.
لم يكن يعلم السادات فى آواخر أربعينيات القرن الماضى، عندما كان يعمل عتالا وصبى مقاول، أنه بعد أكثر من 20 عاما سيكون الرجل الأول فى مصر، ويحقق نصرا تاريخيا، هو الأهم للبلاد خلال العصر الحديث، ويحصد أعلى جائزة للسلام، ويصبح رجل الحرب والسلام، ويشهد العالم كله بحنكة هذا الرئيس وذكائه وإصراره على تحقيق الانتصار واستعادة كل شبر من الأراضى المصرية.
يمكن وصف العلاقة بين الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر، ومحمد أنور السادات بصداقة العمر، صداقة بدأت من بداية تكوين مجموعة الضباط الأحرار، التى كانت تسعى لإنهاء حكم الملك، والقضاء على الاستعمار البريطانى لمصر.
وإذا كان عبد الناصر هو بطل موقعة العدوان الثلاثى الذى واجه فيه القوات الإنجليزية والفرنسية والإسرائيلية وقرار تأميم قناة السويس، فإن السادات بطل حرب 6 أكتوبر التى استعاد من خلالها أرض سيناء.
يحكي الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الكثير من تفاصيل علاقته بصديق عمره جمال عبد الناصر، فى كتابه «يا ولدى هذا عمك جمال»: عبدالناصر صديقى ورئيسى أحبه وأحترمه منذ أن كنا ضابطين صغيرين فى منقباد عام 1938، وكان عمرهما 19 عاما».
ويتحدث السادات عن حديثه لجمال عبد الناصر بعد اختيار محمد نجيب قائد لثورة 23 يوليو، حيث يقول: جاء قرار تعيين محمد نجيب قائد الثورة من قبل الهيئة التأسيسية للضباط الأحرار، صدمة كبيرة، كنت أرى أن عبد الناصر هو الأحق بهذا المنصب، ما دفعنى إلى الذهاب إلى عبد الناصر فى منزله، لكى أقنعه بأن يتولى هو هذا المنصب، واجتمعت على انفراد بجمال فى شقته بكوبرى القبة، وأخذت أتناقش معه وأبدى له تخوفى الشديد من تسلم رجل غريب لقيادة الثورة، وأن الرجل بحكم سنه وعقليته، لن يستطيع أن يفهم العمل الثورى،
وأبدى عبد الناصر اقتناعه برأيى وقال: أخشى أن ينشئ هذا المنصب ثغرة بينى وبين الآخرين. ويقول السادات عن اختيار عبد الناصر له نائبا لرئيس الجمهورية: لقد تساءل البعض فى حيرة، كيف قضيت هذه الفترة الطويلة مع عبدالناصر من غير أن يقع بيننا ما وقع بينه وبين بقية زملائه، ومثلما تساءل صحفى فى لندن قائلاً: إما إننى كنت لا أساوى شيئاً على الإطلاق، وإما إنى كنت خبيثاً غاية الخبث بحيث تحاشيت الصراع معه وبقيت أنا الرجل الوحيد من رجال الثورة الذى لم يمسسه سوء، بل على العكس عندما توفى عبدالناصر، كنت أنا نائب رئيس الجمهورية الوحيد.
هذه التساؤلات تدل على جهل هؤلاء جميعاً بطبيعة السادات، فلا السادات كان عديم الصفة أثناء حياة عبدالناصر، ولا كان السادات خبيثاً أو لئيماً، و كل ما فى الأمر أن السادات و عبدالناصر تصادقا، وكان يختلفان أحيانًا وقد تحدث بينهما جفوة قد تطول شهرين مثلا أو أكثر أو أقل، و ربما كان السبب فى ذلك يرجع إلى اختلاف الآراء ووجهات النظر، أو قيام البعض ممن لهم تأثير على عبدالناصر بالدس عنده ضد السادات، فلقد كان عبدالناصر يؤمن بالتقارير ويميل بطبعه إلى الإصغاء إلى القيل والقال .
ويقول السادات فى كتابه «البحث عن الذات» عن عبد الناصر: كان جيد الإنصات لغيره، ولا يتكلم إلا نادرًا، وكان من الصعب أن أتقرب لشخصية عبد الناصر، ولكن أصررت على التقرب منه، ساعدنى ذلك فى معرفته، ومحاولة فهمه، وتميزت العلاقة بالاحترام المتبادل، واكتملت صداقتهما بعد ذلك.
جيهان السادات زوجة الرئيس الراحل أنور السادات، كشفت فى وقت سابق خلال حوار تلفزيونى معها كواليس علاقة السادات بجمال عبدالناصر، حيث قالت إن زوجها تلقى اتصالا من منزل جمال عبد الناصر يوم وفاة الزعيم، وتوجه إلى منزل عبد الناصر دون أن يخبرها بالسبب، وبعدها تلقت اتصالا من السادات طلب منها سرعة التوجه لمنزل الرئيس عبد الناصر دون تحديد السبب، وكانت تشعر بإحساس غريب ودعت الله أن يكون الأمر خيرا، إلى أن وصلت إلى منشية البكرى.
جيهان السادات تقول خلال حوارها: عندما دخلت منزل عبد الناصر وجدت الوزراء يجلسون على الأرض، ورجال الدولة، وبعضهم يبكون، فأصابني الذهول، فأدركت أن عبد الناصر توفى، واستقبلها نجل عبدالناصر وأخبرها بوفاة والده، والسادات سقط مغشيا عليه أثناء تشييع جثمان عبد الناصر، فالسادات كان مؤمنا بعبد الناصر وكان يقدره كرجل أثر فى تاريخ الدولة المصرية، وتغير سياسات السادات بعد عبد الناصر لا يعنى أن هناك خلافا بينهما، ولكن كل شخص وله شخصيته وكل فترة كان لها ظروف محيطة مختلفة.