غريبان يلتقيان في حانة، تجمعهما قسوة الحياة وعقد عائلية سببها الأب، كلاهما في الأربعين من عمره وكل منهما يحمل عذاباته وعقده الاجتماعية والأعباء التي يحملها على كتفيه ويفرغها في كؤوس الشراب، يعيشان على الهامش يبدو على ملامحهما الإرهاق، هاربان من ماض ثقيل إلى حاضر عبثي...
"داني" أو الوحش كما يسمّي نفسه رجل عنيف يفتعل المشاكل دائما يخرج من معركة ليدخل أخرى، انفصل عن حبيبة لخوفه من فكرة الزواج ومؤسسة العائلة جاء إلى الحانة بعد شجار مع رجل يعتقد أنه قتله، أما "بيرتا" فهي أم لمراهق أنجبته من صديقها ثم أُجبرت على الزواج منه ثم طلّقته وتركت مسؤولية تربية الطفل لوالديها لتعيش وحيدة في غرفة على السطح، تكره والدها إلى حدّ الرغبة في قتله لأنها تورّطت معه في المحرّم وتظلّ تجلد ذاتها بسبب تلك الواقعة...
داني وبيرتا لم ينسجما في لحظة لقاءهما الأولى فهي وحيدة تبحث عمن تحدّثه وهو يكره الثرثرة مع الغرباء، يحدث بينهما شدّ وجذب، حديث متقطّع ومتشنّج طيلة الوقت عن العائلة والناس الكريهين والأخطاء التي ارتكبها كلاهما في حياته...
لحظة المكاشفة والحقيقة جعلتهما يقتربان دون إرادة منهما...
ليلة طويلة تنتهي بهما في غرفة بيرتا وسريرها، لحظة تعرّى فيها الاثنان دون ماكياج ليتحوّل حديث السُّكر إلى حديث الروح، عن الحب والحلم والحياة التي تمنّى كلاهما أن يعيشها ويكتشف كلّ منهما طيبة الآخر واستعداده ليعيش حياة سوية وحاجتهما للرومنسية.
لقد حاول المخرج بهذه الحكاية دخول عالم المهمّشين ليرفع عنهم صفة الشرّ وأذية الناس ويدين بالمقابل المجتمع الذي حوّلهم إلى أشرار بإبعادهم وعدم سماع مشاكلهم وخاصّة من الجانب العائلي، لا أحد يولد شريرا ولا أحد يمكنه العيش دون حبّ وتواصل مع الآخر مهما كانت العذابات والانكسارات والتراكمات فهي أمام العاطفة تصبح أشبه بجبل جليد يُذيبه الحب، وهو ما حدث في حكاية داني وبيرتا.
فقد استطاع الحب أن يروّض الوحش الساكن في كلا الشخصيتين، ومثلهما كثر في مجتمعاتنا العربية والغربية فعندما تتابع هذا العمل لن تجد نفسك بعيد أو غريبا عن أبطاله، هم حقيقيون إلى درجة تشعر معها أنك تلامسهم...
هم صنيعة وضع اجتماعي واقتصادي قاس، في مسرحية "الوحش" كأن المخرج يقول للمشاهدين: لا تقسوا الناس بل حاسبوا أنفسكم أولا.
"الوحش" عمل حمل جرعة زائدة من الجرأة في الأداء كانت ضرورية ليطرح مفهوم العري بمعانيه المتعددة.