من بغداد إلى العالم: الإعلام العربي يقود معركة إنقاذ الكون والمحيط

الرؤية المصرية- كتب: عوض سلام، من بغداد، 24 مايو 2025 – في قلب بغداد، عاصمة الحضارات وموطن الحكايات، أضاءت شرارة الوعي البيئي سماء الإعلام العربي.

من بغداد إلى العالم: الإعلام العربي يقود معركة إنقاذ الكون والمحيط

مؤتمر الإعلام العربي، في دورته الرابعة، انعقد من 20 إلى 24 مايو 2025 تحت شعار "دور الإعلام في مواجهة التغير المناخي"، ليصبح منصة عالمية تجمع أصوات الإعلاميين، الخبراء، والمفكرين.

برعاية اتحاد إذاعات الدول العربية وشبكة الإعلام العراقي، لم يكن هذا الحدث مجرد نقاش أكاديمي، بل صرخة مدوية، دعوة للسلطات الثلاث – التشريعية والتنفيذية والقضائية – للتحالف مع السلطة الرابعة، الإعلام، لإنقاذ كوكبنا ومحيطاته من براثن التلوث والدمار.

اقرأ ايضأ:-

بغداد: عاصمة الإعلام البيئي

لأول مرة خارج تونس، استضافت بغداد هذا المؤتمر التاريخي، مؤكدة مكانتها كمركز إعلامي رائد. اتحاد إذاعات الدول العربية، بتاريخه العريق في توحيد الأصوات العربية، وشبكة الإعلام العراقي، الرائدة في صياغة خطاب وطني مستنير، عملا بتفانٍ لجمع أكثر من 150 مشاركاً من وزراء، سفراء، إعلاميين، وباحثين.

من خلال منصة رقمية متطورة، نقل المنظمون فعاليات المؤتمر إلى العالم، ليصبح بغداد نقطة انطلاق لتحالف إعلامي عالمي يواجه الجفاف، الفيضانات، وتلوث المحيطات.

افتتح المؤتمر بكلمة الدكتور عارف الساعدي، مستشار رئيس الوزراء العراقي، الذي دعا إلى جبهة إعلامية عربية موحدة تحمل رسالة الحقيقة وتحفز المجتمعات على العمل. "الإعلام ليس مجرد ناقل أخبار، بل صانع للتغيير"، قال الساعدي، معبراً عن رؤية المنظمين الطموحة التي عكستها جلسات المؤتمر المتنوعة.

الذكاء الاصطناعي: ثورة في إعلام المناخ

في اليوم الأول، أضاءت جلسة "توظيف الذكاء الاصطناعي في إعلام المناخ"، بإدارة الأستاذة نبيهة بن صالح من اتحاد إذاعات الدول العربية، آفاقاً جديدة.

قدم الباحث السوري عبدالله سكر رؤية ثورية، مؤكداً أن الذكاء الاصطناعي يحول البيانات العلمية إلى قصص إنسانية مؤثرة. "البيانات وحدها لا تكفي، يجب أن نروي قصصاً تلامس وجدان الناس"، قال سكر.

من الصين، استعرض صن هو تجربة بلاده في تحليل البيانات المناخية لتقديم تقارير دقيقة، بينما قدم المهندس العراقي محسن شباط الشبلي مشروع "اللوحة البيئية للأطفال"، وهو مبادرة مبتكرة تستخدم التكنولوجيا لتوعية الأجيال الصغيرة.

شراكات استراتيجية: الأمم المتحدة والمجتمع المدني 

في اليوم الثالث، تناولت جلسة "الشراكة مع الأمم المتحدة والمنظمات المتخصصة والمجتمع المدني"، بإدارة الخبير جاكومو مازوني، سبل تعزيز التعاون الإعلامي.

قدم الدكتور Tap Raj Pant، رئيس قسم التعليم في مكتب اليونسكو بالعراق، رؤية حول دور الإعلام في بناء وعي مستدام، مشدداً على أهمية مواجهة المعلومات المضللة.

بدوره، أكد الدكتور صلاح الحاج حسن، ممثل منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، على دور الإعلام في دعم الأمن الغذائي المتضرر من الجفاف.

من تونس، ناقش الدكتور زهير الحلاوي مخرجات مؤتمرات الأمم المتحدة للمناخ، مشيراً إلى أن اتفاقية باريس 2015 خطوة إيجابية، لكن الظواهر المناخية المتطرفة تتطلب خططاً أكثر طموحاً. 

"الإعلام المتخصص هو صوت الحقيقة العلمية"، قال الحلاوي. من مصر، أوضح الدكتور عماد الدين عدلي، منسق الشبكة العربية للبيئة والتنمية، أن المجتمع المدني يزود الإعلام بمعلومات موثوقة ويصحح التضليل، بينما دعا جو بعقليني، من الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر، إلى تعاون إعلامي لنشر تحذيرات مبكرة قبل الأزمات المناخية.

الهجرة المناخية: أزمة صامتة

سلطت رويدا يطرس، من المنظمة العالمية للهجرة، الضوء على "أزمة العالم الصامتة"، مشيرة إلى نزوح 218 مليون شخص بسبب الجفاف والفيضانات خلال العقد الماضي،

مع توقعات بتجاوز 1.5 مليار مهاجر مناخي بحلول 2050. "الإعلام قادر على كسر هذا الصمت"، قالت يطرس، داعية إلى تسليط الضوء على هذه الأزمة لدفع سياسات حماية المهاجرين.

الإعلام متعدد اللغات: جسر للعالم

أكد المؤتمر على ضرورة أن يكون الإعلام متعدد اللغات ليصل إلى الدول المتضررة، حيث يمكنه تشكيل رأي عام داخلي قوي يضغط لتحديث القوانين الدولية.

الصناعات الثقيلة، الحروب، والأسلحة التي تنتجها القوى الكبرى تلوث المحيطات وتسمم الجو، بينما تتحمل الدول الفقيرة وزر الجفاف والفيضانات. 

هنا، برز تساؤل عميق: هل الدعم الخارجي من المنظمات البيئية للدول الضعيفة هو تضامن حقيقي، أم مجرد محاولة لإنقاذ ماء الوجه؟ أجمع المشاركون على أن الإعلام هو السيف الذي يقطع حبال التضليل، وصوت يتردد بلغات العالم ليبني جبهة عالمية تدافع عن الأرض. 

الاختتام والتوصيات: وثيقة إعلامية للمستقبل 

اختتم المؤتمر في 24 مايو بإطلاق وثيقة إعلامية بيئية ومنصة رقمية للإعلاميين العرب، تهدف إلى تعزيز التعاون وتبادل المعرفة. أوصى المشاركون بما يلي: 

  • تدريب الإعلاميين: إطلاق برامج تدريبية متخصصة لتعزيز قدرات الإعلاميين في تغطية قضايا المناخ. 
  •  الإعلام الرقمي: تطوير منصات رقمية لنشر المعرفة البيئية وتوسيع الجمهور.
  • الشراكات: تعزيز التعاون بين الإعلام، الأمم المتحدة، والمجتمع المدني لضمان مصداقية المعلومات. 
  • الذكاء الاصطناعي: توظيف التكنولوجيا لتحليل البيانات وتقديم تقارير جذابة. 
  • الهجرة المناخية: تسليط الضوء على أزمة المهاجرين المناخيين لدفع سياسات دولية عادلة.
  • التعاون الإقليمي: إنشاء مؤسسات بحثية عربية متخصصة في المناخ لدعم التغطية الإعلامية.

أفق مفتوح وسؤال معلق

مؤتمر بغداد لم يكن حدثاً عابراً، بل نقطة تحول في مسيرة الإعلام العربي. بفضل الرؤية الاستثنائية لاتحاد إذاعات الدول العربية وشبكة الإعلام العراقي، أصبح الإعلام العربي صوتاً عالمياً يحمل راية الأمل.

لكن، وسط هذه المعركة من أجل البقاء، يظل السؤال يتردد كصدى في سماء مفتوحة: إذا كانت السلطة الرابعة قادرة على إيقاظ الضمائر وتحريك الشعوب، فهل ستنجح في إجبار القوى الكبرى على التكفير عن خطاياها البيئية، أم ستبقى الأرض تنتظر منقذاً لن يأتي؟ 

من بغداد، موطن الحضارات، تنطلق الرسالة: الإعلام هو الأمل، والكلمة هي السلاح. فلنحملها معاً، ولنصنع غداً يتنفس فيه كوكبنا بحرية.