إزالة التلوث من بحيرة بنزرت: دور برنامج EcoPact وصحافة الحلول

الرؤية المصرية/ تونس/ كتب: عوض سلام// تشكل بحيرة بنزرت، الواقعة في شمال تونس، نظامًا بيئيًا فريدًا يمتد على مساحة 120 كيلومترًا مربعًا، بعمق متوسط يبلغ 7 أمتار ويصل إلى 12 مترًا في بعض المناطق.

 هذا المقال يستعرض حالة التلوث في بحيرة بنزرت، أهداف وإنجازات برنامج EcoPact، دور الإعلام في تعزيز الحلول البيئية، والتحديات المستقبلية، مع اقتراح حلول مبتكرة لمكافحة التلوث.

تُعد البحيرة مركزًا اقتصاديًا حيويًا يضم ميناء بنزرت التجاري وأنشطة الاستزراع المائي، لكنها تعاني من تلوث صناعي وحضري مزمن ناتج عن التقلبات المناخية والأنشطة الاقتصادية المكثفة.

في هذا السياق، يبرز البرنامج المندمج لإزالة التلوث بمنطقة بحيرة بنزرت "EcoPact" كمبادرة طموحة تهدف إلى تحسين الوضع البيئي وتعزيز الاستدامة.

اقرأ ايضأ:-

يتم تنسيق هذا البرنامج من قبل وزارة البيئة التونسية، بدعم من الاتحاد الأوروبي والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، ويمتد على مدى خمس سنوات لمعالجة مصادر التلوث المختلفة.

إلى جانب الجهود الفنية والبنية التحتية، يبرز دور الإعلام كشريك أساسي في تحقيق الانتقال الإيكولوجي.

نظمت وزارة البيئة ورشة عمل يوم 28 أفريل 2025 بدار الضيافة الرأس الأبيض ببنزرت، تحت عنوان "وسائل الإعلام شريك برنامج في الانتقال الإيكولوجي بمنطقة بحيرة بنزرت"، بهدف تعزيز الوعي وإطلاق مسابقة "الإعلام شريك فاعل نحو الانتقال الإيكولوجي". 

حالة التلوث في بحيرة بنزرت: أرقام وتحديات

تعاني بحيرة بنزرت من تلوث متراكم ناتج عن مصادر متعددة، تشمل:

  • التلوث الحضري: تصريف المياه العادمة غير المعالجة من المناطق السكنية إلى البحيرة، مما يؤدي إلى ظاهرة التخثث (eutrophication) بسبب زيادة المغذيات مثل النيتروجين والفوسفور.
  • التلوث الصناعي: نفايات المصانع، بما في ذلك شركات الإسمنت والتكرير، التي تُطلق مواد كيميائية وملوثات ثقيلة.
  • التلوث الزراعي: جريان المبيدات والأسمدة من الأراضي الزراعية المحيطة، مما يفاقم اختلال التوازن البيئي. 
  • النفايات الصلبة: تراكم المخلفات البلاستيكية والصلبة على ضفاف البحيرة، مما يهدد الحياة البحرية.

وفقًا لتقارير، يُقدر أن 52% من تمويلات برنامج EcoPact (90 مليون يورو إجمالًا) تُخصص لتحسين منظومة التطهير، مما يعكس حجم التحدي الذي تشكله المياه العادمة.

كما أن البحيرة، بطبيعتها "المغلقة"، تجعلها أكثر عرضة لتراكم الملوثات، مما يتطلب تدخلات شاملة لاستعادة توازنها البيئي. 

برنامج EcoPact: رؤية للاستدامة

يُعد برنامج EcoPact جزءًا من الاستراتيجية الوطنية للانتقال الإيكولوجي في تونس، ويهدف إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة من خلال:

  • تحسين منظومة التطهير: توسعة وتأهيل محطة تطهير بنزرت، ومد 65 كيلومترًا من قنوات التطهير لمعالجة المياه العادمة قبل تصريفها.
  • مكافحة التلوث الصناعي: تركيب مصافي هواء في مصنع إسمنت بنزرت، وتنفيذ مشاريع لتقليل الانبعاثات من شركات التكرير مثل شركة ستير وشركة الفولاذ.
  • تعزيز البنية التحتية البيئية: إحداث فسحة شاطئية بمنزل عبد الرحمن وتحسين إدارة الميناء البحري.
  • التوعية البيئية: العمل مع المجتمع المدني لنشر الوعي وتعزيز السلوكيات المستدامة.

خلال ورشة العمل، أكدت ذكرى الغربي، المديرة العامة المكلفة بالبرنامج، أن EcoPact ليس الحل الشامل ولكنه خطوة أساسية لرفع التحديات البيئية. وأشارت إلى أن البرنامج واجه صعوبات في بدايته، لكنه حقق تقدمًا ملحوظًا، مع توقعات بتحقيق أهدافه بحلول ديسمبر 2026.

دور الإعلام في مواجهة التلوث والتغير المناخي

أكدت زهور متهمم، رئيسة ديوان وزير البيئة، خلال كلمتها في ورشة العمل، على أهمية الإعلام في تعزيز الوعي ودعم الجهود البيئية.

 وشددت على دور "صحافة الحلول" (Solution Journalism) التي تركز على إبراز المبادرات الإيجابية والتقدم المحرز، بدلاً من الاكتفاء بتسليط الضوء على الأزمات. هذا النهج يساهم في:

  • تثقيف الجمهور: توعية المواطنين بالتحديات البيئية والحلول الممكنة.
  • تشجيع المشاركة: تحفيز المجتمع المدني والجهات الاقتصادية على الانخراط في جهود إزالة التلوث.
  • تعزيز الشفافية: متابعة تقدم المشاريع وإبراز التحديات لضمان المساءلة.

إطلاق مسابقة "الإعلام شريك فاعل نحو الانتقال الإيكولوجي"

 يعكس التزام البرنامج بتعزيز دور الصحفيين والطلبة وصناع المحتوى. تشمل المسابقة مجالات مثل الصحافة المكتوبة، البودكاست، والمحتوى المرئي، بهدف إنتاج مواد إعلامية بناءة تدعم أهداف EcoPact.

على الصعيد الإقليمي، من المقرر عقد مؤتمر "دور الإعلام في مواجهة التغير المناخي" في بغداد، العراق، من 20 إلى 23 مايو 2025.

سيركز المؤتمر على تعزيز التعاون بين وسائل الإعلام العربية لمواجهة التحديات المناخية، بما في ذلك التلوث والجفاف.

 يُتوقع أن يشكل هذا الحدث منصة لتبادل الخبرات وتطوير استراتيجيات إعلامية تدعم التنمية المستدامة، مما يعزز من أهمية مبادرات مثل EcoPact على المستوى الإقليمي.

اقتراحات لمكافحة التلوث البيئي في بحيرة بنزرت

لضمان استدامة جهود EcoPact وتعزيز فعاليتها، يمكن اعتماد الحلول التالية:

  • تعزيز التمويل: زيادة الاستثمارات في معالجة المياه العادمة وإدارة النفايات الصلبة، حيث أشارت ذكرى الغربي إلى أن التمويلات الحالية غير كافية.
  • تطوير التكنولوجيا: استخدام تقنيات متقدمة مثل أنظمة المراقبة البيئية الذكية لتتبع مستويات التلوث في الوقت الفعلي.
  • تشريعات صارمة: فرض عقوبات على الشركات الملوثة وتطبيق معايير بيئية صلبة للصناعات المحيطة بالبحيرة.
  • برامج توعية مكثفة: تنظيم حملات توعية مستمرة بالتعاون مع المدارس والجمعيات لتغيير سلوكيات المواطنين تجاه إدارة النفايات. 
  •  إعادة التدوير: إنشاء مراكز محلية لإعادة تدوير النفايات البلاستيكية والصلبة لتقليل تراكمها في البحيرة.
  • الشراكات الدولية: الاستفادة من الخبرات الأجنبية في إدارة الأنظمة البيئية المائية، كما هو الحال في مشاريع مماثلة في البحر المتوسط.
  •  إشراك القطاع الخاص: تشجيع الشركات على تبني ممارسات مستدامة من خلال حوافز ضريبية وبرامج المسؤولية الاجتماعية.

يمثل برنامج EcoPact خطوة محورية نحو استعادة التوازن البيئي لبحيرة بنزرت، من خلال معالجة التلوث الحضري والصناعي وتعزيز البنية التحتية البيئية. ومع ذلك، فإن استدامة هذه الجهود تتطلب تعاونًا وثيقًا بين الحكومة، المجتمع المدني، والإعلام.

ورشة العمل التي عُقدت في 28 أفريل 2025، وإطلاق مسابقة "الإعلام شريك فاعل"، تؤكدان على الدور الحيوي لصحافة الحلول في تعزيز الوعي وتحفيز التغيير.

مع استمرار التحديات مثل التغير المناخي ومحدودية التمويل، يبقى الإعلام شريكًا استراتيجيًا لتحقيق انتقال إيكولوجي ناجح. من خلال تبني الحلول المقترحة وتعزيز التعاون الإقليمي، كما سيُناقش في مؤتمر بغداد 2025، يمكن لبحيرة بنزرت أن تتحول إلى نموذج للتنمية المستدامة في المنطقة.