العرض احتضنته قاعة الريو مساء الخميس 12 ديسمبر أمام جمهور ضيوف المهرجان وجمهوره الذي تلتقيه مجد القصص للمرة التاسعة لذلك كانت سعيدة وهي تحييه وتتمنى الاستمرار لهذه التظاهرة التي تجمع في كل دورة هذا الخليط من الجنسيات والتجارب الإبداعية المتنوعة وتسمح لها باللقاء والتحاور. كيف يمكن لفندق قديم أن يكون مدفنا كبيرا تفوح من أركانه رائحة الموت؟ ...
في حالات الحرب كل شيء ممكن.
وفاء (بطلة) العمل وهي مالكة الفندق ـ مسرح الأحداث ـ دفنت فيه كلّ الذين تحبّهم، أمها وأباها وحبيبها الذي سافر للحرب قبل عشرين عاما ولم يعد، تركت صورته معلّقة ببهو الاستقبال ورفضت أن تمسح عنها الغبار حتى لا تتلاشى ملامحه، "عندما نموت نصبح غبارا، كم عليّ أن أمسح هذا الموت عن الأشياء؟" تمسح الموت عن الأشياء فقط أما الأشخاص فتترك عليهم الغبار لأنها تنتظر عودتهم.
يأتي والدها الذي مات منذ زمن بعيد بسبب انفجار إرهابي، ويعاتبها لأنها لم تزر قبره وقبر والدتها فتجيب بأنها لا تملك الشجاعة لذلك وتعاتبه بدورها على موتهما معا كأنهما كانا على اتفاق، يسألها عن منصور وهل ماتزال تحبه فلا تجيب، وفاء لم تنفض الغبار عن قلبها... تبدو حيّة لكنها تشبه الأموات الذين تستحضرهم وتكلمهم وتعيش معهم، لا يربطها بالحياة سوى نزيلي الفندق شاب وفتاة استأجرا لمدة طويلة لأن المالكة تكره أن يكون الفندق محطة عبور، تكره وجوه الغرباء وحقائب السفر، تكره أن تُترك للوحدة تكلّم الجدران والأموات.
فجأة يدخل رجل متعب يتضح أنه منصور الغائب منذ عشرين عاما، في البداية لا تعرفه غيّرته السنوات والحروب لكنه يراها كالمدينة التي غابت معظم ملامحها، ألم تمت؟ تسأله، فيجيبها "نحن نتقن كل وسائل الموت لكننا لا نموت" عاد منصور بالأغنيات القديمة، عاد محاطا بالهزيمة، كان كلما انتهى من ثورة دخل إلى السجن وتعرّض لشتى أنواع التعذيب... تسأله: هل لازلت تحبّني؟ فيجيبها "الحب في زمن الحرب خيانة" يدور بينهما حديث عن الحرب عن رفاقه الذين ماتوا أمامه وتمزقت أشلاؤهم، يصف لها بشاعة الحرب وقسوة موت الأصدقاء... يخبرها بأنه كلما عاد يتم إيقافه على الحدود ويزج به في السجن، فتسأله عن جدوى خوض كل هذه الحروب ويجيبها "من أجل وطن واحد وشعب واحد" كل هذا مجرّد خدعة لأن الموت للثوار والمجد للأسياد... فجأة تنتبه وفاء لقلادة على صدر منصور يخبرها بأنها لآخر رفاقه الذي مات بين يديه وهو يغني "منتصب القامة أمشي مرفوع الهامة أمشي" وينام.
عندها يظهر شبح الأب من جديد فتخبره بعودة منصور وحبّه الذي لم يمت "خبّأك في قلبه ولم يخبّئك في مستقبله" هكذا يجيب الأب ويختفي من جديد... يحمل الشاب والفتاة حقيبتيهما ويغادران الفندق البائس للزواج والحياة بعيدا عن شبح الموتى وتدخل وفاء في نوبة عصبية تتجه لمنصور (النائم) طالبة منه المغادرة، تحركه بقوة فلا يستفيق تدفعه فيقع على الأرض... مات منصور تاركا أشعاره الثورية وشعاراته وقصصه ومذكراته التي حملها معه من هزيمة إلى أخرى.
"قلادة الدم" عمل تراجيدي يعبّر عن الهزائم المتكررة هنا وهناك في عالمنا العربي من خلال كتابة مكثّفة ابتعدت عن اجترار الشعارات والكليشيهات لتطرح فكرة واضحة تقوم على مفارقتين هما الحب والحرب أو إن شئنا على فكرة واحدة هيّ "الحب" و"الراء" التي دخلت لتشوّهه. عرض استعملت فيه المخرجة لغة الجسد من خلال لوحات كوريغرافية قدّمها الشاب والفتاة الذين أرادتهما رمزا أو أملا مستقبليّا لجيل لا يؤمن بالحروب المجانية.