وكان الشابي يقطع مسافة لاباس بها سيرا على الأقدام ويصعد تلك التلة أين يأتيه إلهام الشعر، وهنا أيضا تمت إقامة فيسفساء تحمل ما تغنى به من أشعار، والنسر الذي دخل بين أبيات قصائده لازال واقفا شامخا شموخ الشابي على واجهات التلة الأربعة.
هنا وبينما تدخل منطقة الأهرامات بالجيزة بالعاصمة المصرية وترى وتشعر بعظمة الفراعنة، تجد أيضا أن على أرض تونس، وعلى أرض توزر، قامة شماء بعظمة الفراعنة، هي لأبي القاسم الشابي.
يبدو أن الشابي كان مصاباً بالقلب منذ نشأته وأنه كان يشكو انتفاخاً وتفتحاً في قلبه ولكن حالته ازدادت سوءاً فيما بعد بعوامل متعددة منها التطور الطبيعي للمرض بعامل الزمن، والشابي كان في الأصل ضعيف البنية إضافة إلى الصدمة التي تلقاها بموت محبوبته الصغيرة ومنها فوق ذلك إهماله لنصيحة الأطباء في الاعتدال في حياته البدنية والفكرية ومنها أيضاً زواجه فيما بعد.
يقول الشابي بإحدى يومياته الخميس 16-1-1930: آه يا قلبي ! أنت مبعث آلامي ومستودع أحزاني وأنت ظلمة الأسى التي تطغى على حياتي ..".
دخل الشابي مستشفى الطليان في العاصمة التونسية في اليوم الثالث من شهر أكتوبر قبل وفاته بستة أيام ويظهر من سجل المستشفى أن أبا القاسم الشابي كان مصاباً بمرض القلب أو القلاب.
توفي أبو القاسم الشابي في المستشفى في التاسع من أكتوبر من عام 1934 فجراً في الساعة الرابعة من صباح يوم الأثنين الموافق لليوم الأول من رجب سنة 1353 هـ.
نقل جثمان الشابي في أصيل اليوم الذي توفي فيه إلى توزر ودفن فيها، وقد نال الشابي بعد موته عناية كبيرة ففي عام 1946 تألفت في تونس لجنة لإقامة ضريح له نقل إليه باحتفال جرى يوم الجمعة في السادس عشر من جماد الثانية عام 1365 هـ.
ويعبر الشابي أجمل تعبير عن أنوار تونس والمغرب العربي التي استفادت منها بلاد المشرق كما هي الحال مع ابن خلدون والحصري القيرواني وابن رشيق وغيرهم المعبرين أنصع تعبير عن خصوصية المدرسة المغاربية أو مدرسة الغرب الإسلامي الذي تؤهله جغرافيته أن يكون الجسر بين الغرب والشرق والذي ظل مدافعا عن الثغور ولم يمح رغم الداء والأعداء كما يقول الشابي.
وفي ضريح الشابي يوجد معه عائلته وأصدقاءه ممن عاصروه وإن لم يرقدوا إلى جانبه بل أن صورهم في كافة أرجاء روضة الشابي.