تونس تعيد الروح إلى المسرح الصادم في افتتاح المهرجان الدولي للمسرح المحترف4/4 بجندوبة

تونس/ (الشمال الغربي) جندوبة/ كتب: عوض سلام/ جاءت الدورة الثانية للمهرجان الدولي للمسرح المحترف 4/4 بجندوبة (شمالي غرب البلاد التونسية) حبلى بالأعمال الفنية، القادرة على أن تروي ظمأ جمهور "أبو الفنون"، بعد سنتين عجاف عاشهما العالم، بسبب جائحة كورونا، بما سمح بالخروج إلى متلق يتنفس فنا، ومازال ينتظر من يصعد الركح متحدثا عما يختلج في أعماقه.

عرض (BLACK AND WHITE CIRCUS)،|عرض (BLACK AND WHITE CIRCUS)،|عرض (BLACK AND WHITE CIRCUS)،|(اسود وأبيض سيرك) لنوال إسكندراني|(اسود وأبيض سيرك) لنوال إسكندراني|(اسود وأبيض سيرك) لنوال إسكندراني|(اسود وأبيض سيرك) لنوال إسكندراني|(اسود وأبيض سيرك) لنوال إسكندراني|(اسود وأبيض سيرك) لنوال إسكندراني|(اسود وأبيض سيرك) لنوال إسكندراني|فاطمة الفالحي تقف على طريق الذكريات|"قلب الرحي" للفنانة "دليلة مفتاحي"|||
||||||||||||||

ورشات وعروض وندوات أثثت هذه الدورة بما يعكس للمشاركين والمتابعين والجمهور، أنهم يعيشون على امتداد خمسة أيام من 16 إلى 21 مارس 2022، ضمن احدى اكاديميات الفنون القائمة على استراتيجية تطوير جسور التواصل بين المسرح والجمهور، بما يتماشى مع المسكوت عنه والمستجد من قضايا وهموم المجتمع العربي بشكل عام، والتونسي على وجه الخصوص، اجتماعيا وثقافيا وسياسيا.

وإن كانت ورشات العمل التي اثثها وأثراها نجوم وأساتذة المسرح التونسي مثل: جليلة بكار (L’acteur témoin)، خالد بوزيد (الجسد كأداة تعبير)، نورهان أيمن أبو شعيشع عبد الغفار (الرقص الارتجالي)، وميساء السعيدي وطارق العتروس (صنع العرائس)، ما هي إلا تأهيل روحي وفكري للجمهور، سبقت عروضا كانت بمثابة نقل الجمهور من التكوين والمعرفة النظرية، إلى الأمثلة الحية - إن لم نقل التطبيق- حيث أنها – أي العروض- كانت لوحات يندمج داخلها المتلقي، كل في اللون الذي تناسب مع ذاته.

المسرح الصادم (اسود وأبيض سيرك) لنوال إسكندراني

على ركح مسرح المركب الثقافي "عمر السعيدي" بجندوبة، كانت الرسائل المثيرة للجدل الداعية إلى إعمال العقل في كيفية التعامل الناعم والمرن مع القيود والتقاليد، متخذة من العنصرية الأزلية، أرضية تنطلق منها نحو كسر تابو الدين، الذي ترفض تعاليمه أقلية خرجت من رحم لكن من نطفة مجهولة الهوية، وهي المثلية الجنسية.

أصرت نوال إسكندراني، بعرضها الكوريغرافي، أن توظف كافة الفنون في محاولة تسربها نحو جذور التقاليد، والكسر الناعم للقيود التي فرضتها الأديان، ورفض المجتمع أن يعترف بها.

ورغم أن "إسكندراني" فرضت مساحة كبيرة للرقص ضمن عرض (BLACK AND WHITE CIRCUS)، إلا ان توظيفه وتوزيعه ضمن مشاهد العمل، كانت تحمل المطالبة بالمساواة، صارخة تارة، والمستكينة تارة أخرى، بالتعبير الجسدي والرقص الإيقاعي، وسط صخب الموسيقى، التي كانت تغزو الظلام كاسرة السواد بالأزرق والأحمر، إلى أن جاءت الرسالة جريئة بألوانها الحقيقية الفاضحة.

كما لم تتوان "نوال إسكندراني" عن الذهاب إلى ماض بعيد بالسينما الصامتة، توازيا مع فن السيرك، وتصبح مراحل كسوف القمر الحامل على سطحه المعتم ثقل رسالة المساواة بين الأبيض والأسود والمرأة والرجل، لتسدل الرواية كلمة نهاية حاملة عناوين شتى توقظ العقل بين متحفز ومتحفظ، لتتحول الأنظار من المضامين إلى متاهات أخرى، عبرت عنها في تصريحاتها بأنها تريد أن "تبدأ من تونس في كسر القيود لتتجه نحو العالم" ...تابع الفيديو

 BLACK AND WHITE CIRCUS عمل فني إنتاج مشترك بين مسرح الأوبرا بتونس والفنانة نوال اسكندراني التي قامت بالتصميم و الإخراج كذلك.

"روًح".. فاطمة الفالحي تقف على طريق الذكريات

بين رفض للواقع، وحنين يجذبك نحو هوبتك الرافضة لكل الزيف والعنتريات الهشة، كانت "الخيمة" بالمركب الثقافي "عمر السعيدي"، طريقا ينقلك من مكان لآخر، مخضبا بلوع الشوق، بخطوات مثقلة ترفض الرجوع بك إلى مجتمعك الحقيقي المليء بالوقائع الكاذبة.

هي سيرة ذاتية للراوي، الذي يقف وحيدا في مواجهة جمهوره، مستجمعا ذكرياته وشخوص الماضي الحاضر الذي ينتظر عند نهاية خط الوصول، وهذا لم تنكره فاطمة الفالحي، لكن أكدت على أن العمل ربما يتشابه مع غيره، لكن كل وسيلة تحمل رسالتها...تابع الفيديو

رفضت "الفالحي" في عرض "روًح" كل أكاذيب الواقع التي كانت تعيش، لكنها تمسكت بالحقيقي فيه، وهو المشاعر، مستخدمة في طريقها لإيصال رسالتها، المؤثرات الصوتية والضوئية، كلما توقفت في إحدى محطات خط العودة الذي تصر، كلما توقفت، على التعبير عن رفض عقلها وصول نهايته، التي لا حقيقة فيها غير الألم والقوة المبنية على ضعف ووهن وأكاذيب صنعها المجتمع وعاش بها وربما من أجلها.

مسرحية ”روح“، عمل فني نسائي بإمتياز حيث  كتبته يسر القلعي، وتمثيل فاطمة الفالحي، ومن إخراج خولة الهادفي.

"قلب الرحى".. الروح تعود وتبحث في مصيرها

عرضان مسرحيان مشفوعان بثالث، وهو "قلب الرحي" للفنانة "دليلة مفتاحي" والذي لم يبتعد كثيرا عن سرد المعاناة لشريحة من المجتمع في إسقاط على زوايا عدة لامست عن قرب أوجاع المتفرجين الذين غصت بهم قاعة العرض.

لم تكن دليلة مفتاحي في "قلب الرحي" كما عهدها جمهورها، فربما لم تحاول كسر قيود ارتضى المجتمع آلامها، غير متفق على التخلص منها، لكنها كسرت القيود مباشر داخل العمل، الذي قالت عنه" في العمل الفني من يقدم الأفضل للدور يكون الأفضل له" في إشارة إلى قيام الرجال بأدوار نسائية.

"قلب الرحي" قدمت طرحا جديدا في اشتغالها على قضايا متداولة، ولعل هذا مستوى من مستويات الصدمة، التي لم يقع تناولها.

وفكريا، "قلب الرحى" ناقشت مفاهيم ظل المسرح العربي بعيدا عنها، من خلال ثلاث نساء تطور همومهن إلى أسئلة وجودية كانت لابد أن تظهر، وعندما يقدم المسرح هذه الأسئلة ويعرضها فنيا، قد يشتغل البعض لتحويلها إلى صدمات.

«قلب الرحى» كتبته دنيا مناصرية ومن إخراج دليلة المفتاحي، وقد صمم إنارة المسرحية محمد رشاد بالحلحم وموسيقى لبلال بن سليمان انتاج شركة مسرح الناس للعام 2021.