"تحت الضغط": المسرح التونسي يتحدى الرقابة ويصنع الأمل من رحم الألم

الرؤية المصرية- تونس- (شمالي غرب) سليانة- كتب: عوض سلام//

في سهرة مميزة ضمن فعاليات الدورة الرابعة لمهرجان المسرح والمجتمع على مسرح المركب الثقافي بسليانة، قدّمت مسرحية "تحت الضغط" تجربة فنية جريئة، حيث امتزجت الكوميديا السوداء بالنقد الاجتماعي الحاد، لتطرح تساؤلات عميقة حول حرية التعبير، علاقة الفنان بالسلطة، وتحديات المسرحي في مواجهة المجتمع.

"تحت الضغط": المسرح التونسي يتحدى الرقابة ويصنع الأمل من رحم الألم

اقرأ ايضأ:-

المسرحية، التي أخرجها الدكتور ريان القيرواني وأنتجها مركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف بإدارة عماد المديوني، ليست مجرد عرض مسرحي، بل صرخة فنية تعكس نبض الفنان في زمن الضغوط.

"تحت الضغط": تأليف وإخراج وأداء 

  • "تحت الضغط"، من تأليف هيفاء بولكباش وإخراج ريان القيرواني، تقدم نصاً درامياً يعتمد على أسلوب "المهرج الملحمي" المستلهم من رؤية الكاتب والمسرحي الإيطالي داريو فو.
  • النص يحكي قصة المخرج المسرحي "مختار" الذي يسعى لتقديم عمل فني يتجاوز دور المهرج التقليدي كمصدر للضحك إلى صوت يحمل قضية، لكنه يصطدم بمقص الرقابة وتضييق السلطة.
  • السينوغرافيا التي صممها نيازي مسعودي، إلى جانب الموسيقى التي أبدعها عادل بوعلاق، وتصميم الملابس لسهام رزقي، شكّلت إطاراً بصرياً وصوتياً عزز من جماليات العرض.
  • الألوان الزاهية للملابس، التي تحمل دلالات رمزية، عكست بعداً نفسياً واجتماعياً، حيث تمثّل السلطة في صورة "البوليس" كرمز للقمع الذي يواجه الفنان.
  • الأداء التمثيلي حمل توقيع نخبة من الممثلين: منير الخزري، عبد الرحمن الشيخاوي، محمد طه الخيرات، فردوس جبالي، وماهر تواتي. 

 هذا الفريق، بتجربته المتنوعة وتكامله، نجح في تقديم شخصيات مركبة تجمع بين السخرية والتراجيديا، مما جعل المسرحية تنتقل بسلاسة بين لحظات الضحك وأخرى من التأمل العميق.

منير الخزري، الذي حصد جائزة أفضل ممثل في مهرجان أربيل الدولي للمسرح في دورته الثامنة (20-26 أفريل 2025)، كان نجم العرض بأدائه المعبّر الذي جمع بين الحضور الطاغي والحساسية الفنية.

عبد الرحمن الشيخاوي: المسرح كفضح ومواجهة 

في تصريح حصري لـ"شبكة الرؤية المصرية الاخبارية"، عبّر عبد الرحمن الشيخاوي، أستاذ المسرح وأحد أبطال "تحت الضغط"، عن رؤية عميقة لدور المسرح في المجتمع.

 يرى الشيخاوي أن المسرحية ليست مجرد عرض فني، بل أداة لـ"الإرباك والفضح والمواجهة".

يؤكد أن اختيار أسلوب "المهرج الملحمي" كان خياراً جمالياً وفكرياً متعمداً، يعتمد على الألوان الزاهية والمبالغة لتصوير السلطة، التي تتجسد في صورة "البوليس" كرمز للقمع.

ويشير إلى أن العلاقة المتوترة بين الفنان والسلطة، التي تظهر في المسرحية كعلاقة زوجية، تحمل أبعاداً رمزية تعكس صراعاً أزلياً.

يتساءل الشيخاوي: "ما أدراك أن الرقابة لن تعود يوماً ما؟"، مشدداً على أن المسرح الذي لا يتحدى ولا يثير الإرباك لا يستحق أن يُسمى مسرحاً.

للتعرف على المزيد من رؤية عبد الرحمن الشيخاوي حول "تحت الضغط" ودور المسرح في مواجهة السلطة، شاهد تصريحه الحصري في الفيديو أعلاه.

مركز الفنون الدرامية والركحية: امتداد لتاريخ فرقة الكاف

"تحت الضغط" ليست مجرد عمل مسرحي عابر، بل جزء من مسيرة طويلة لمركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف، الذي يمثل امتداداً طبيعياً لفرقة الكيف المسرحية التي تأسست عام 1968.

كما يوضح الشيخاوي، تحولت الفرقة من هيكلية مستقلة إلى مؤسسة تابعة للدولة، لكنها حافظت على روحها الإبداعية.

هذا العمل، الذي قدّم عام 2025، يعكس التزام المركز بإنتاج أعمال تتناول قضايا المجتمع والفنان في سياق سياسي واجتماعي معقد، فاختيار مثل هذه الأعمال في هذا الظرف يبرز شجاعة المركز في طرح موضوعات حساسة مثل الرقابة وحرية التعبير، مما يعزز دوره كمنصة للحوار الفكري والجمالي. 

المهرج الملحمي: خيار جمالي وفكري 

يستند العرض إلى مفهوم "المهرج الملحمي"، وهو خيار جمالي وفكري يعتمد على السخرية والمبالغة لفضح تناقضات المجتمع والسلطة، كما تستخدم المسرحية رمزية "البوليس" لتصوير السلطة كقوة قامعة، لكنها تذهب أبعد من ذلك لتستعرض العلاقة المتوترة بين الفنان والمجتمع، بل وحتى بين الفنان ونفسه. 

العرض ينتقل من "المسرح داخل المسرح" إلى فضاءات خارجية، مما يعكس انتقال الفنان من عالمه الداخلي إلى مواجهة الواقع، كما أن العلاقة بين الزوج والزوجة في المسرحية، التي تبدو اجتماعية في ظاهرها، تحمل أبعاداً رمزية تعكس الصراع الأزلي بين الفنان والسلطة.

رسائل المسرحية: بين الفضح والمواجهة 

"تحت الضغط" ليست مجرد كوميديا سوداء، بل عمل يحمل رسائل واضحة وجريئة، كما يؤكد الشيخاوي، المسرح الذي لا يثير الإرباك ولا يواجه القضايا الجوهرية ليس مسرحاً.

العرض يطرح أسئلة حول وضعية المسرحي في المجتمع، نظرة المجتمع إليه، وعلاقته المتوترة بالسلطة، واستخدام الألوان الزاهية والملابس المبالغ فيها يعكس السخرية من الصورة النمطية للسلطة، بينما يبرز حضور "البوليس" كرمز للقمع الذي يواجه الفنان.

المسرح كفضاء للمقاومة 

"تحت الضغط" ليست مجرد مرحلة عابرة، بل حلقة في سلسلة أعمال طويلة يسعى من خلالها مركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف إلى تعزيز المسار الفكري والجمالي للمسرح التونسي.

كما كشف الشيخاوي عن أعمال قادمة مثل "لصوص بغداد" في طور الإنجاز، مما يعكس التزام الفريق بمواصلة المواجهة الفنية. 

المسرحية تطرح سؤالاً جوهرياً: هل يمكن للمسرح أن يظل حياً دون أن يتحدى ويفضح؟ الإجابة تكمن في جرأة العرض وتأثيره على الجمهور، الذي تفاعل معه بحماس رغم التحديات. 

المسرح التونسي يصنع الاستثناء 

"تحت الضغط" تجربة فنية تحمل في طياتها إيماناً عميقاً بقدرة المسرح على تغيير الواقع، فمن خلال أسلوبها البارودي وشخصياتها المهرجية، نجحت المسرحية في فضح تناقضات المجتمع والسلطة، مع الحفاظ على روح السخرية التي تجعل النقد مقبولاً ومؤثراً.