الرؤية المصرية:- تونس – في لحظة نادرة تجمع بين الخشبة والقيد، انطلقت مساء أمس الدورة التاسعة من «مسرح الحرية» داخل المركب الشبابي والثقافي بالمنزه السادس، حيث قدم مودعون تونسيون 16 عرضاً مسرحياً من إبداعهم، ليؤكدوا أن الفن قادر على اختراق الأسوار واستعادة الكرامة المصادرة.
الافتتاح شهد حضوراً رسمياً لافتاً ضم المدير العام لشؤون المودعين والمدير العام لأيام قرطاج المسرحية، وانطلق بعرض «جوسكا» من تأطير محمد علي الجواني وقدمه نزلاء سجن برج العامري، وهو عمل يغوص في متلازمة الشك والقلق والصمت التي تُصيب الإنسان خلف القضبان، ليفتح الباب أمام 15 عرضاً آخر سيُقدمها نزلاء 11 سجناً رجالياً و4 مراكز إصلاح وعرض نسائي واحد طوال أيام التظاهرة.
المدير العام لشؤون المودعين أكد في كلمته الافتتاحية أن «مسرح الحرية» الذي انطلق عام 2017 أصبح موعداً سنوياً ثابتاً يحمل رسائل إنسانية عميقة، مشيداً بنجاحات الدورات السابقة في رفع جودة العروض وتأثيرها الإيجابي على المشاركين، ومشيراً إلى أن وزارة الشؤون الثقافية وأيام قرطاج المسرحية أصرّتا على أن «كرامة الإنسان لا تتجزأ والحق في التعبير لا يُسكت بمجرد الخطأ».
من جانبه، وصف مدير أيام قرطاج المسرحية الحدث بأنه «نافذة تطل على الأصوات المنسية والقلوب الباحثة عن فرصة ثانية»، مؤكداً أن المسرح ليس ترفاً ثقافياً داخل السجون بل فعل جوهري لإعادة التأهيل يمنح المودعين أدوات التعبير والحوار والمسؤولية، وختم كلمته بعبارة صارت شعار الدورة: «الخشبة جسراً نحو حياة جديدة، عاش المسرح فضاء للحرية مهما ضاقت الجدران».
التجربة التونسية التي بدأت كمشروع تجريبي صغير قبل ثماني سنوات تحولت اليوم إلى نموذج إقليمي يُحتذى في دمج الفن مع برامج إعادة الإدماج، ويراهن القائمون عليها على أن يواصل «مسرح الحرية» كسر الصورة النمطية عن السجين ويثبت أن الإبداع قادر على تحويل أحلك الظروف إلى لحظات ضوء وأمل.
هل ستتمكن هذه الأصوات التي خرجت من خلف الأسوار من تغيير نظرة المجتمع إلى من أخطأوا يوماً؟ الخشبة وحدها ستجيب في الأيام القادمة.