عوض سلام يكتب من دوز: رحلة «على خطى الأجداد».. بين الإبل والملهاد في سباقات تونس للمهاري (فيديو)

تونس/ محافظة قبلي/ دوز/ شبكة الرؤية الإخبارية المصرية/ كتب: عوض سلام/

لم يكن مخطئا من يتنامى إلى مخيلته، أن دورة تونس الدولية الخامسة لسباقات المهاري الهجن بمدينة دوز ما هي إلا استعراض للإبل على كافة أنواعها، أو استخداماتها، وقيمتها عند البدو وسكان الصحراء، لكنه لم يطلق لخياله العنان كي يذهب بعيدا مع الرمال المترامية الأطراف عند أهم أبواب الصحراء التونسية، وهي مدينة دوز من ولاية قبليجنوبي تونس على بعد 550 كيلومترا.

دورة تونس الدولية الخامسة لسباقات المهاري الهجن بمدينة دوز|||
تصوير عوض سلام|||

فسباقات تونس الدولية هي رحلة «على خطى الأجداد».. ديدنها أن تكون قافلة تحمل وتنشر ثقافة تونس ومحاكاة حياة السلف فـ"سفينة الصحراء" رفيق الإنسان منذ فجر التاريخ وتحتل مكانة مميزة في تراث العرب، تعود إلى آلاف السنين، حيث اعتبر الجمل رفيق البدوي في حياته وحله وترحاله، لما حباه به الله من قدرة على الحياة في الصحراء، والتكيف مع طبيعتها القاسية.

الإبل ومنذ فجر التاريخ وهي في رحلة..تحمل في رحالها وحلها وترحالها التعارف بين مختلف الجنسيات حول الكثير من الجوانب التراثية، التي كان يعيشها أجدادنا، وهنا يكمن الهدف من مهرجانات الإبل وهو نقل تجربة أجدادنا في السفر والترحال إلى مختلف الجنسيات، ليتعرفوا من خلالها على الصعوبات والتحديات التي كانت تواجههم، كما أن هذه الرحلة الروحية تكسبهم صفات كان يتحلى بها الأجداد، وهي الصبر والحكمة وسرعه البديهة وقوة التركيز».

رياضة وركوب الهجن معروفة بين العرب في الشرق الأوسط ، وخاصة في منطقة شبه الجزيرة العربية ، وكذلك في إفريقيا وأستراليا.

وتحرص عدة دول ، أبرزها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والأردن وسلطنة عمان ومصر ، على إقامة مسابقة المهاري بشكل منتظم وتنظيم الاحتفالات خلال المهرجانات ، فهي رياضة عربية أصيلة طورها العرب في زمن الجاهلية والإسلام ، وتوارثت عبر العصور والأجيال. .

الأبل لا تتحمل الوحدة فهي تميل إلى العيش وسط قطعان من نفس فصيلتها، وإذا انفرد بعضها عن القطيع فإن همه الأول يكون في العودة إليه مرة أخرى، وعندما عرف العرب هذه الحقيقة، عمدوا إلى تقييد كبير الإبل في موضع محدد ليجعل القطيع كله يرعى بالقرب منه فلا يشذ منه فرد.

الإبل على الرغم من كبر حجمها، لكنها تخاف من أصغر الحيوانات، وإذا ما ظهر حيوان مفترس أو سرب جراد بالقرب منها بغتة أسلمت قوائمها للريح وتبعها القطيع كله.

وعلى رقابها وضع العرب نقوشا يعرفونها، و قد عثر المنقبون على نقش لجمل على ظهره راكب في خرائب تل حلف في العراق، وآخر وجدوه في مدينة جبيل الأثرية في لبنان، وهذا يدل على أن العرب ومنطقة شبه الجزيرة العربية عرفت الإبل منذ تاريخ طويل ربما أبعد مما يتخيل البعض، فمن يعرف معنى " العزيلة"؟ ومن يفرق بين أنواع الجمال؟..اسئلة عديدة ربما لم تتبادر إلى الأذهان  من ذي قبل، وربما لأن لم نجد من مجيب.

" الذي لا يملك من البداوة جمالا فليس له شيئ  من البداوة " هكذا يقول الشاعر أيوب علي لسود، ومن خرج من قبيلته لابد من أن يضع "عزيلة" قبيلته الاصلية، حتى وإن استنبط عزيلة خاصة به، فما هي "العزيلة"؟

كما أن دورة تونس الدولية الخامسة لسباقات المهاري الهجن بمدينة دوز في سياق عروضها كانت في ظاهرها عروض لقوافل الجمال والمداوري على شكل فلكلوري، لكن اخراج الساحة بشكل وجه ربما لم يلحظه الكثير من الحاضرين، وهنا تكمن الفلسفة التاريخية لعرض "مهر".

وإذا كان ما يحمله الهودج سر من الأسرار التي تحملها الجمال فإن دورة  تونس الدولية لسباقات المهاري أبركت القافلة عند القرية التراثية بمتحف الصحراء بدوز ليعيش الزائرون محاكاة لحياة الأجداد، في ترابط مع الأزياء التقليدية الحاملة لطلاسم منها لم يفهمها إلا السلف.

وإن لم تكن ملابس الطوارق وبني هلال ليست بجديد على أهل مدينة دوز، فإن ما تخفيه تلك الأحجبة من أحجيات، وطلاسم ضاربة في عمق التاريخ لم يسبر أغوارها الكثيرون.

قد يخيل للبعض أن ما للعرب ليس للطوارق من عادات وتقاليد، غافلا ان هناك تقاطعات ربما استدعتها قوافي القوافل في الحل والترحال، فأصبحوا مزيجا من تاريخ نحتته الإبل بخفافها، وحملته فوق وبين اسنامها

الجمل والنخلة من اسرار استمرار وانتقال الحياة في انحاء الأرض، وقديما قالوا قد تخدعك القوافي إذا ما نظمتها ولن تخذلك القوافل في ترحالها..فالإبل حاملة للتاريخ والأسفار وعلى ظهورها ارتحل الأنبياء بين رمال الصحراء وقبة السماء، وفي كتاب الله ذكرت الجمال مقترنة بالجبال فعن أي خلق يتحدثون فإلى الإبل ألا ينظرون؟