روحانيات نفطة..و"هيام" في رحاب القديسين التونسيين

تونس/توزر/نفطة/ شبكة الرؤية الإخبارية المصرية/ تغطية وتصوير: عوض سلام/

ضمن برنامج الدورة السادسة لمهرجان روحانيات الدولي بمدينة نفطة بالجنوب التونسي، كانت مقامات وأضرحة أولياء وشيوخ تونس الصوفيين محطات هامة اطلع خلالها زائرو المدينة، متابعو المهرجان على ثراء الموروث الثقافي لتونس.

مقام "أبو علي السني" أحد الأضرحة التي شهدت إقامة طقوس التقرب إلى الله، ضمن تلك الدورة من "روحانيات"2022|||
|||

 

وكان مقام "أبو علي السني" أحد الأضرحة التي شهدت إقامة طقوس التقرب إلى الله، ضمن تلك الدورة من "روحانيات"2022 التي انتظمت تحت عنوان"هيام" في الفترة من 1إلى5نوفمبر2022 ، حيث شملت فقرات إحياء أضرحة شيوخ تونس، مقام سيدي مرزوق، وسيدي حسن عياد.

وأدت فرقة "القادرية" أناشيد صوفية مصحوبة بإيقاعات الدفوف في خيمة انتصبت قبالة مقام "أبو علي السني".

إنه تقليد روحي وشعبي متجذر بعمق في قلوب التونسيين، وغالبًا ما يجمع عائلات بأكملها ومجموعات من الأصدقاء.

زيارة التونسيين لأضرحة القديسين لتحقيق رغباتهم - ليس فقط في المناسبات الخاصة، ولكن على مدار السنة.

وفي كل عام يقام احتفال لكل ولي يسمى "الزرده".

أولياء تونس والطريق إلى الله

في هذا الاحتفال، يأتي مئات الأشخاص من جميع أنحاء البلاد، والصلاة من أجل تحقيق رغباتهم، وطلب مساعدة الولي في الصلاة والاقتراب من الله.

أضرحة القديسين في تونس يعود تاريخها إلى أكثر من 15 قرنًا.

يقال إن هذه الأضرحة هي أماكن جاء فيها الصوفيون الذين نبذوا العالم للصلاة.

أكسبتهم أعمالهم الصالحة حب الناس واحترامهم، ويُنظر إليهم على أنهم على صلة خاصة بالله، فلكل ضريح عاداته وتقاليده.

ويعتقد معظم الناس أنهم بحاجة إلى وسيط بينهم وبين الله من أجل تلبية رغباتهم، ولكل وسيط طريقته الخاصة في تحقيق أمنياته.

يدخل الناس الضريح لقراءة سورة الفاتحة، وإبداء الأمنيات، وإضاءة الشموع.

ويغلب اللون الأبيض والأخضر على ألوان جدران وأبواب هذه الأضرحة، والأخضر يرمز إلى الخصوبة والخير.

ويواصل خادم الزاوية قراءة الأذكار والقرآن في الزاوية.

قارعو الدفوف وآكلو النار

هناك عدة طقوس تختلف من ولي لآخر لتحقيق هذه الرغبات، على الرغم من أن جميع الزوايا تقدم الأضحيات للتقرب من الولي، والتبرع باللحوم للفقراء، وإقامة الأعياد في قبور القديسين خلال طقوس الأعياد.

يعزف آخرون على الطبول أو الموسيقى الصوفية أو يؤدون عروض الفروسية المختلفة.

بعض العروض الفلكلورية يؤديها شخص معين يدعى "العيساوي" يزعم أن الولي باركه ويحميه مما يفعل.

هذا الشخص يأكل العقارب والمسامير، ويمشي على قطع من الزجاج أو لوح خشبي مثبت عليه المسامير الحادة - بدعوى أن الولي يحميه من أي عمل خطير يقوم به.

"السني" مقاوم أعداء مذهب الإمام سحنون

أبو علي حسن بن محمد بن عمران الحسيني، واحد من مشاهير الصوفيّة وأكبر داعية لمذهب أهل السنّة في الجريد، ولد بنفطة سنة 493 هـ الموافق لسنة 1101 م، بحسب كتاب ” الضوء المبين في التعريف بأولياء تونس الصالحين” للدكتور أحمد الطويلي.

توفي أبوه وهو ابن خمس سنين فانتقلت به أمّه زينب بنت محمد الأنصاري من نفطة إلى تونس، وسكنت بربض السعود –معقل الزعيم اليوم- وأدخلته إلى كتّاب التوفيقية فحفظ القرآن الكريم على يدي المؤدب نصير الشريف ثمّ المؤدب أحمد بن نفيسة ثمّ درس بمدرسة سوق الكتبيّة حيث تتلمذ أبو علي على أبي الفضل السكري وأبي الفضل النحوي وأخذ عنهما طرق التصوّف ممّا هيّأه للتطلع إلى إدراك الصالحين من معاصريه أمثال أبي سعيد الباجي وعبد العزيز المهدوي.

 سافر إلى بجاية حيث أقام قرب الوليّ سيدي بومدين وربط وإيّاه علاقة عمّق خلالها معارفه ثمّ رجع إلى نفطة فانتصب معلّما ومؤدبا يحثّ الناس على العمل بأحكام القرآن والتأسّي بفضائل السنّة.

 ولمّا كانت الكوفة الصغرى مثلما كان الناس ينعتون نفطة، محطا للخوارج بإمامة عبد السلام الدرجيني، فلقد انبرى أبو علي محاربا لأتباع هذا المذهب الدخيل على موطن الإمام سحنون صاحب المدوّنة المالكية حتّى عدّ زعيما بل قل سلطانا مثله مثل محرز بن خلف سلطان مدينة تونس الذي قام قبل قرن ضدّ المدّ الشيعي.

أبو علي السني مبعوث ابن تومرت مؤسس الدولة الموحدية

 يقول ياسين الكرامتي في كتابه “الحسن أبي علي السني”: “كان سكّان نفطة من الخوارج وبصفة أدق من الإباضيّين، وكان في تلك المرحلة أن حلّ بنفطة سيدي بوعلي مبعوثا من ابن تومرت مؤسس الدولة الموحدية ليقاوم الخوارج وينشر السنّة”.

ولقد كان أبو علي من أتباع طريقة عبد القادر الجيلاني.

أمّا عن فلسفته فلقد أورد التيجاني في رحلته رسالة وجّهها أبو علي إلى يعقوب الطري يحثّ فيها المرسل على ” معرفة النفس والارتفاع بها إلى مقام محمود تمكن صاحبها من معرفة الربّ تعالى وتسمح بالتخلص من المكان الحسّي للإفضاء إلى عالم الأرواح“.

وهو يوجز هذا التمشّي بمقولة: ” الترقي من الأين إلى حيث لا أين“.

له، إلى جانب هاته الرسالة، ديوان في بحور الشعر الخمسة عشر، أغلب قصائده صوفيّة ففي البحر الطويل جادت قريحته:

من أدعيته: “اللهم ارزقني خلفا يرحمني واصرف عنّي خلفا يعذبني ولا تجعل الدنيا أكبر همّي وارحم من ظلمني وآذاني واجعلني شاكرا لنعمتك صابرا على قضائك مسلّما لأمرك.”