الرؤية المصرية:- أثار الاعتراف الجريء لرئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية السابق، جون برينان، بتجربته في تدخين الحشيش خلال سنوات شبابه في القاهرة، موجة من الجدل الواسع على منصات التواصل الاجتماعي، حيث يتداول آلاف المستخدمين قصصاً عن "ليالي الخميس" الشهيرة في أحياء المدينة القديمة، معتبرين إياها شهادة نادرة على ثقافة الشباب في مصر السبعينيات.
في مقابلة حصرية مع صحيفة "القبس" الكويتية، نشرت يوم السبت الماضي، استعاد برينان، الذي يبلغ اليوم 69 عاماً، ذكرياته عن فترة دراسته في الجامعة الأمريكية بالقاهرة خلال السبعينيات، حيث كان يتجول مع أصدقائه المصريين والأمريكيين في أزقة خان الخليلي وسوق الذهب، يمارس اللغة العربية العامية وسط رائحة التوابل والدخان.
- "كنا نجتمع كل ليلة خميس في وسط المدينة، نتبادل الحديث والسجائر الممزوجة بالحشيش مع التبغ، وكانت هذه اللحظات جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية آنذاك"، روى برينان، مضيفاً أنه أقلع عن التدخين تماماً منذ عقود، لكنه يرى في تلك التجربة "وسيلة للاندماج الثقافي" ساعدته على فهم الشرق الأوسط بعمق أكبر.
لم يكن برينان، الذي شغل منصب مدير الـCIA بين 2013 و2017، يتحدث عن هذه التفاصيل لأول مرة؛ فقد وثقها في مذكراته "Undaunted: My Fight Against America's Enemies, Home and Abroad" الصادرة عام 2020، حيث يصف كيف أصبحت تلك الليالي دروساً عملية في العربية، إلى جانب ارتدائه حلقة أذن ماسية وتصويته لمرشح شيوعي في الانتخابات الأمريكية عام 1976.
ومع ذلك، أعاد نشر المقابلة إشعال النقاش، خاصة بعد أن انتشرت مقتطفاتها على تويتر وإنستغرام، حيث يتساءل البعض عن كيفية تأثير مثل هذه التجارب على مسيرة رجل استخبارات يُعرف بـ"قيصر الاغتيالات" لدوره في برنامج الطائرات بدون طيار.
من منظور أوسع، تكشف رواية برينان عن جانب إنساني نادر في عالم الاستخبارات، حيث يمزج بين الاعتراف الشخصي والدرس التاريخي. في السبعينيات، كانت القاهرة مركزاً نابضاً للشباب الطلاب من مختلف الجنسيات، يجتمعون في مقاهي خان الخليلي ليتبادلوا القصص تحت أضواء الفوانيس، وسط ثورة ثقافية هادئة بعد حرب 1973.
أصدقاء مصريون، كما يصف برينان، كانوا يقودون هذه الجلسات، مشاركين في مزيج من التبغ والحشيش الذي كان شائعاً نسبياً بين الشباب، لكنه اليوم يُعتبر مخالفاً للقوانين الصارمة في مصر.
- "كانت تلك الثقافة السائدة، ولم تكن مجرد مغامرة، بل طريقة للتواصل"، يقول، مشيراً إلى أنها ساعدته لاحقاً في عمله كمسؤول استخباراتي في الرياض والقاهرة.
النقاش الرقمي الذي اندلع بعد المقابلة يعكس تناقضات الذاكرة الجماعية؛ فبينما يضحك بعض المصريين من "الأمريكي الذي أحب الشيشة"، يرى آخرون في القصة تذكيراً بتغيرات المجتمع، حيث أصبحت مثل هذه الممارسات أكثر سرية أمام حملات مكافحة المخدرات.
خبراء في علم النفس الثقافي، مثل الدكتور أحمد زكي من جامعة القاهرة، يرون أن اعترافات مثل هذه "تكسر الصورة النمطية عن الجواسيس، وتذكرنا بأن الدبلوماسية الحقيقية تبدأ بالتجارب الشخصية". أما برينان نفسه، فيختتم روايته بتأكيد على الإقلاع عن العادات الضارة، محذراً الشباب من مخاطر التدخين بكل أشكاله.
في النهاية، هل تُعد قصة برينان مجرد فصل مرح من مذكرات جاسوس، أم دعوة لاستكشاف الشرق الأوسط بعيون أوسع، بعيداً عن الصور النمطية؟ الإجابة تكمن ربما في أزقة خان الخليلي، حيث لا تزال الليالي الخميس تحمل أسراراً لمن يجرؤ على الاستماع.
الرؤية المصرية:-في زمن يتسارع فيه نبض العالم، تبرز قصص مثل رواية جون برينان كجسر حي بين الذكريات والحاضر، تذكرنا بأن مصر ليست مجرد خريطة سياسية، بل نسيج ثقافي يجمع الغرباء في ليالي الخميس الساحرة. هذه التجربة لا تعيد فقط صياغة صورة الـCIA، بل تُعيد إحياء روح القاهرة كمدينة تُغري بالاندماج، وتُحول الغرباء إلى جزء من نسيجها الخفي.
من خلال هذه الاعترافات، نرى كيف أن ليالي الحشيش والشيشة لم تكن مجرد هواية، بل دروس في التواصل البشري، ساعدت في بناء جسور لم تُحرق بعد، وسط عالم يتجه نحو الانغلاق. برينان، بكل بساطته، يُذكرنا بأن الثقافة المصرية ليست للتصدير فقط، بل للعيش، والتجربة، والتغيير الشخصي الذي يُغير مسارات التاريخ.