في رحلة عبر عوالم "قطيع" ..المخرج التونسي حمادي المزي يجسّد صراع الإنسان المعاصر

شبكة الرؤية الإخبارية المصرية- تونس- سليانة (شمالي غرب)- كتب عوض سلام:

ضمن فعاليات الدورة الثالثة لمهرجان "المسرح والمجتمع" بسليانة، شمالي غرب تونس- كان مسرح المركب الثقافي بسليانة، بابا مفتوحا طلت من خلاله الجماهير على عمل مسرحي، ربما يوصف واقعا، لكنه يستشرف مستقبلا، يصبح فيه الانسان أمام مهمة مستحيلة، وهي أن يختار أين يضع نفسه؟.

ما يميز "قطيع" حمادي المزي، انه يحمل اسقاطات على تنوعها، فإنها تمسل كل نواحي الحياة على هذا الكوكب

مسرحية "القطيع" للمخرج التونسي حمادي المزي، تعيد الى الذاكرة أعمالا فنية استشرفت الواقع، دون الاستناد الى مقومات ترسم ملامح قادم الأشياء، مثل "المتمردون" (انتاج 1968) لتوفيق صالح ونادر جلال، في أواسط القرن الماضي، الذي قدم قراءة استشرافية لما نعيشه الآن، قبل أن يراه المخرج المصري خالد يوسف عام 2016، في فيلم (هي فوضى).

اقرأ ايضأ:-

لكن ما يميز "قطيع" حمادي المزي، انه يحمل اسقاطات على تنوعها، فإنها تمسل كل نواحي الحياة على هذا الكوكب.

يأخذنا المخرج حمادي المزي، في مسرحيته الجديدة "قطيع"، في رحلة عميقة عبر عوالم الإنسان المعاصر، صارعين مع مفاهيم الجنون والعقل، الواقع والحلم، الحرية والسجن.

على خشبة المسرح، يتجسد صراعٌ بين  أربعة مرضى: كلٌّ منهم يحمل حكايته وأسراره وأمراضه، يمثلون نماذج مختلفة من المجتمع، يجمعهم فضاء مشفى للأمراض العقلية، ليصبحوا أبطال حكاية إنسانية مركبة.

طبيب: يُمثل سلطة تحاول فهم وفك رموز "الجنون".

ممرضتان: تُجسدان دور الراعي الذي يسعى لضبط سلوكيات المرضى.

خلال ساعة من التشويق، تتكشف أمامنا مشاهد تثير تساؤلات عميقة: هل هؤلاء المرضى مجانين حقاً؟ أم أنهم ضحايا مجتمع قاسٍ يُسجن من يختلف؟

كما يحيلنا "المزي" إلى إعادة التفكير في   ما هي حدود الحرية؟ ومتى يُصبح التفكير خارج القطيع جريمة؟، وهل السعادة وهمٌ بعيد المنال؟ أم يمكن العثور عليها حتى في أحلك الظروف؟

حول "قطيع"، يقول حمادي المزي:

"قطيع" وهي إنتاج أخير لدار سندباد، وهي المؤسسة المسرحية التونسية التي أنتجت 24 عمل مسرحي في سجلها. يُعتبر هذا العمل جديد ًا ويتسم بخصائص معينة تجعله جزءً ا من ما بعد الحداثة وفق نظرية هانز ليمان. فالنص يتصف بالتفكك والقطعية، ويستحضر شخصيات غريبة تذكرنا بالمسرح العبثي والمسرح اللامعقول. 

الموضوع أساسًا سياسي واجتماعي وثقافي ونفسي، مما يجعل القراءة السيميولوجية للعمل ضرورية لفهم رؤيته المستقبلية للإنسان في ظل التحولات الاجتماعية والسياسية. ويُعتبر النص مبتكرًا وليس مقتبسًا من أي فكرة سابقة.

في ما يتعلق بالإخراج، لاحظ المتحدث وجود تعدد للوحات المسرحية في الوقت نفسه، مما قد يشتت انتباه الجمهور. لكن هذا التوظيف كان مقصودًا ليعكس تفكك الخطاب واللاترابط لدى الشخصيات. كما أن تقنيات الإضاءة والمشاهد المتباينة كانت جزءً ا من الرؤية الإخراجية.

وفيما يتعلق بالممثلين، فقد اختارهم المخرج بعناية من بين خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية، حيث تربطه بهم علاقة محبة وثقة وتطلع لتحقيق رؤية مشتركة. وهذا الفريق يتألف من سبعة ممثلين، بالإضافة إلى فريق العمل الفني والإضاءة.

"قطيع" مسرحيةٌ تُلامس وجدان الإنسان المعاصر، وتُقدم تجربة مسرحية فريدة من نوعها، تستحق المشاهدة والتأمل.