تتربع شجرة الزيتون، "الزيتونة المباركة"، على عرش الذاكرة التونسية، ليست مجرد نبتة، بل رمزًا للحياة، والصمود، والارتباط الأبدي بالأرض.
وفي مدينة القلعة الكبرى والتاريخ العريق في منطقة سوسة، يتحول هذا الرمز إلى احتفالية كبرى كل عام، إنها الدورة الرابعة والأربعون للمهرجان الدولي للزيتون، الذي تأسس عام *1981*، ويمثل رمزًا مهمًا للتراث الثقافي للمنطقة.
وقد عقدت الهيئة المديرة للدورة 44 لمهرجان الزيتونة الدولي، الجمعة 5ديسمبر2025، ندوة صحفية بقاعة المؤتمرات بفضاء Ecovillage سيدي بوعلي، بحضور معظم الشركاء، تابعها ثلة من الاعلاميين ممثلين لوسائل الاعلام التونسية والعربية.
ويلتزم المنظمون، الذين يعتبرون أنفسهم عائلة كبيرة، بتجاوز التحديات لجعل هذه الدورة حدثًا استثنائيًا، مع التركيز على أهمية زيت الزيتون، وخاصة زيت المنطقة، المعروف بجودته العالية بفضل الممارسات العضوية.
ويهدف الحدث أيضًا إلى تثمين المناطق الريفية المحيطة، مما يعزز الرابط بين الثقافة المحلية والتنمية الاقتصادية.
أقوال وتصريحات وروح التضامن:
- مهدي شوشان، مدير جمعية المهرجان الدولي للزيتونة بالقلعة الكبير: نحن عائلة كبيرة، ملتزمون بتجاوز التحديات لجعل هذه الدورة استثنائية، فالمهرجان يمثل رمزًا مهمًا للتراث الثقافي للمنطقة."
- وليد بن حسن، مدير رئيس مهرجان الفيديوهات التوعوية ومدير جمعية استعراض أوسو:"نعمل على إبراز أهمية زيت الزيتون العضوي ذي الجودة العالية الذي تشتهر به منطقتنا، من خلال أنشطة توعوية وكرنفالية."
- شاكر أبوفارس، المدير الرياضي بالمهرجان: "الأنشطة الرياضية، كالماراثون وسباق الدراجات الجبلية، هي جزء أساسي من المهرجان لتنشيط المنطقة والترويج لثرواتها الطبيعية."
نبض ثقافي وفني يحيي التراث
يفتتح المهرجان فعالياته بكرنفال افتتاحي ضخم، يوم الأحد21ديسمبر2025، بالتزامن مع العطلات، في مشهد بهيج يشارك فيه الجميع، بحسب ما صرح به مدير الدورة 44 لمهرجان الزيتونة الدولي، حاتم دردور.
وأضاف "دردور": ينطلق الكرنفال، بالتعاون مع جمعية "كرنفال أوسو"، من شارع الفنون وصولاً إلى مبنى البلدية، وتتصدره عربة خاصة مصممة على شكل حبة زيتون، في دلالة واضحة على هوية المهرجان.
ولا يقتصر الاحتفاء على العروض البصرية، بل يمتد ليشمل تكريمًا لقامة ثقافية محلية، الأستاذ عبد العزيز بايد، حيث سيتم عرض فيلم وثائقي عن مسيرته خلال الافتتاح، في لفتة وفاء لأبناء المدينة.
البرنامج الفني ثري ومتنوع، يشمل مسابقات غناء وموسيقى، وعروض رقص ومسرح، وأمسيات ثقافية تجذب المشاركين من مختلف المناطق.
كما يخصص المهرجان يومًا كاملاً للسياحة، حيث تُعرض فيه الرقصات والموسيقى الفولكلورية، ويقام سوق للحرف التقليدية، لتتحول القلعة الكبرى إلى متحف حي يعرض إبداعاته للزوار.
برنامج زمني حافل بالفعاليات
يمتد المهرجان على مدار أسبوع كامل، من 21 إلى 28 ديسمبر، حيث تتوزع فعالياته بدقة لضمان تغطية شاملة.
تبدأ الاحتفالات بكرنفال الافتتاح الضخم يوم **الأحد،21ديسمبر2025 ينطلق صباحًا من شارع الفنون.
أما مسابقة الأفلام القصيرة للشباب، فكان أخر أجل لتقديم الأعمال في 7 ديسمبر2025، على أن تكون ذروتها في الأمسية السينمائية الكبرى يوم 22 ديسمبر، حيث تُعرض أفضل الأفلام وتُمنح جوائز "الزيتونة الذهبية".
وخلال هذا الأسبوع، تتنوع الأنشطة لتشمل المسابقات الرياضية (الشطرنج، الرماية، ركوب الدراجات الجبلية، الجري)، وورش الرسم للأطفال، واللقاءات العلمية حول الاقتصاد الأخضر، بالإضافة إلى يوم مخصص للسياحة والحرف التقليدية، لتختتم الفعاليات في 28 ديسمبر بعد أسبوع حافل بالثقافة والفن.
الزيتون والاقتصاد الأخضر: لقاء العلم بالزراعة
لا يغفل المهرجان البعد العلمي والاقتصادي لـ "الزيتونة". فإلى جانب الأنشطة الترفيهية، تُعقد ندوة علمية متخصصة تركز على الزيتون والاقتصاد الأخضر.
يشارك فيها خبراء ومتحدثون لتقديم عروض حول الأهمية الاقتصادية للزيتون في المنطقة، مما يؤكد على دور المهرجان كمنصة للتوعية والتطوير الاقتصادي المستدام.
كما تبرز أهمية المنتج المحلي من خلال مسابقة طهي فريدة، تسلط الضوء على طبق "الشكشوكة الحمراء" الشهير، الذي يعد رمزًا للمطبخ المحلي.
عدسة الشباب ترصد القصر: مسابقة الأفلام القصيرة
في خطوة نحو المستقبل، يولي المهرجان اهتمامًا خاصًا للشباب من خلال مسابقة الأفلام القصيرة، التي تهدف إلى اكتشاف مدينة القلعة الكبيرة بعيون جيلها الحالي، بحسب مال صرحت به المخرجة السينمائية التونسية، هادية بن عائشة.
حيث يُدعى الشباب لتقديم أعمالهم الوثائقية أو الروائية حول المدينة، على أن يتم عرض أفضلها في أمسية سينمائية كبرى يوم 22 ديسمبر.
وتُمنح جوائز قيمة، أبرزها "الزيتونة الذهبية" وجائزة الجمهور، في جو احتفالي يبرز المواهب الشابة.
كما يتم دعم المشاركين بورش عمل تدريبية وجلسات تفاعلية عبر الإنترنت، لضمان الاستفادة القصوى من هذه الفرصة التعليمية والفنية.
تحدي الصمود نحو الإشعاع الدولي، ودعوة الى رئيس الجمهورية قيس سعيد
يهدف المهرجان بوضوح إلى تعزيز السياحة وتقوية الجاذبية الدولية للمنطقة، وقد أُرسلت دعوات لدبلوماسيين ووزراء لحضور الفعاليات، كما سبقه حدث ترويجي في بورت القنطاوي.
ورغم هذا الطموح، يواجه المهرجان تحديات مالية جمة، حيث تتجاوز ديونه 55 ألف دينار، وقد عانى من أزمة مالية أدت إلى رفض طلبات التمويل العام.
وفي نداء مؤثر، دعا المنظمون إلى تضامن المجتمع لضمان حصول الفنانين على مستحقاتهم، ووجهوا نداءً لرئيس الجمهورية للتدخل ودعم هذا الحدث الذي يعد احتفالًا حقيقيًا للمنطقة والبلاد.
إن هذا التحدي المالي لا يزيد المنظمين إلا إصرارًا على تقديم تجربة احتفالية شاملة، مؤكدين على أن الإرادة الثقافية أقوى من الأزمات.
إن مهرجان الزيتون الدولي بالقلعة الكبيرة ليس مجرد سلسلة من الفعاليات، بل هو مرآة تعكس هوية تونس الثقافية والاقتصادية، ونافذة تطل منها المدينة على العالم.
إنه احتفال بالزيتونة، رمز الخير والعطاء، وشهادة على حيوية مجتمع يسعى جاهداً للحفاظ على تراثه وتأمين مستقبله، متحديًا الصعاب ليظل منارة للإشعاع الثقافي والسياحي.