"القادمون"، مسرحية تونسية لمشاهد بعقلين وأربع عيون !!!

تونس/ متابعة: عوض سلام/ عندما كتب الكاتب التونسي، عزالدين المدني ديوان "الزنج"، متنبئا بإنفجار شعبي، ضد التهميش والاستغلال، والاستعباد، كان مدركا أنه وضع ملامح الحراك الشعبي المعاصر، بل ولربما رسم الخطوط العريضة له على المستوى الوطني، فجاء المخرج التونسي سامي النصري، ونسج بتلك الخطوط لوحة مزدوجة، بين الجنوبين الأفريقي والتونسي، وكأنه يقدم عملين مسرحيين على خشبة واحدة، بنفس الشخوص، التي أصر على عدم معالجتها، تحت عنوان "القادمون".

مشهد من مسرحية القادمون أو الزنج للكاتب التونسي عز الدين المدني على مسرح مركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف
مصدر الصور: تصوير عوض سلام

لوحات سامي النصري، التي جسدها نور الدين الهمامي والمنجي الورفلي ولزهر فرحاني وسيف الدين الشارني ومحمد شوقي خوجة وناجي الشابي وضو خلف الله، أدت محاكاة لما كان ينتظره الشمال قادما من الجنوب، ضاقت الحلقة أحيانا وكبرت أحيانا أخرى، فتارة يشعرك أن "ملح جنوب تونس" المستنزف، وثرواته، بينما يعيش أهله الخصاصة قادرا على أن يكون أجاج في حلق المستعمر القابع في شمال البلاد، وأن يكون مرارا يمتزج بطعم ما يلتهمه العسكر من لحوم الزنوج المستعبدين.

خاضت شخوص "النصري" في متاهات السلطة وإشكاليات التسلط بين حكم الشعب وحكم العسكر، كما تلاعب بمخيلة المتفرج بين صخب الموسيقى التصويرة، والحركية المفاجئة والسريعة على الركح، وتارة يلهب الحماسة بأهازيج غليان ما يعتمل داخل المستضعفين، حتى تظنه فوران البركان، وأخرى سرعان ما يتحول ضوء الأمل إلى شرارة حريق.

ربما كان المخرجان المصريان يوسف شاهين، وخالد يوسف قد طرحا فكرا موازيا سطحيا في التقديم لكن نبؤته كانت سريعة التحقيق عندما قدم فيلم "هية فوضى" للكاتب ناصر عبد الرحمن، عام 2007، قبل الثورات العربية، لكن "حاتم" أمين الشرطة لدى "يوسف" لم يكن في صلف "عسكر" "النصري" الذي مس قضية العنصرية والتهميش في عمقها من أقاصي الجنوب الأفريقي، إلى الجنوب التونسي.

كما أن العمل المسرحي الذي قدمه "النصري" كان أقرب إلى النخبوية حيث غابت خيوط الفكرة في أحيان كثيرة، حينما كان يحاول تقديم مشهدا متكاملا بين الصوت والصورة والإضاءة والحركية، لتقليص الفارق لدى المتلقي بين التلفزيون والمسرح، لذلك إحتاج الامر منه إلى جمل ربط كانت حركية وموسيقية، لترسيخ الفكرة لدى الجمهور.

لكن في الآن نفسه، حرص سامي النصري على أن يستفز الجمهور لإعادة المشاهدة لـ"القادمون" أكثر من مرة، حتى يعوض المشاهد عجزه عن امتلاك عقلين وأربعة عيون، لاستيعابها من المشاهدة الأولى.

"القادمون" عرضت ضمن فعاليات اليوم الثاني من المهرجان الوطني للمسرح التونسي بالكاف، الذي انطلقت في دورته الأولى يوم 20 سبتمبر، ويستمر إلى 16 أكتوبر2019، وهي من انتاج مركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف.