تكررت أحداث جبل الحلال عام 2005 بعد تفجيرات شرم الشيخ التي استهدفت منتجعا سياحيا بجنوب شبه جزيرة سيناء؛ واتُهمت نفس العناصر والجماعات في تلك العملية، وقيل إنهم لجأوا إلى جبل الحلال للفرار من الشرطة. ويصعب على أحد دخول جبل الحلال أو معرفة اتجاهاته إلاَّ من قِبَل السكان أنفسهم؛ حيث يتمتّع بما يشبه الحكم الذاتي لأهله، ويُعدّ منطقةً مستقلة بذاتها.لذا فإن القوات استعانت بدليل من البدو لاقتحام الجبل.
يعاني سكّان جبل الحلال من السيول المتجمّعة وسط خنادق ذي شكل ضيّق، تتشكّل نتيجة لتجمّع الأمطار بين جبل ضلفع الموجود في الجهة الشرقيّة، وجبل الحلال الموجود في الجهة الغربيّة؛ حيث يقوم أهالي المنطقة بجمع المياه بخزانات، إلاَّ أنّ المنطقة عانت لأعوام من مشكلة الجفاف، وشحّ المياه.
اقترن اسم الجبل باختباء الجماعات الإرهابية فيه، وبعد حادث مقتل الجنود المصريين برفح، في رمضان 2012، شنت قوات الأمن هجمات عدة، ضمن نطاق العملية العسكرية «نسر» حيث أخفت الجماعات الأسلحة والمعدات التي يستخدمونها في العمليات الإرهابية لاستهداف قوات الأمن.
بعد تزايد العمليات الإرهابية في سيناء، جاء القرار الحاسم: تطهير جبل الحلال. على مدار أيام وساعات وضعت القوات خطتها للاقتحام، وتمكنوا خلال 3 أيام متواصلة من القضاء على العناصر المسلحة.
طريق واحد يجب أن تسلكه من أجل أن تصل من العريش إلى منطقة جبل الحلال، في الاتجاه إلى الجنوب عليك أن تسير في طريق «المطار – لحفن»، حيث يسلكه عشرات المواطنين القاصدين مدن الحسنة ونخل والقسيمة وبينها مصانع الأسمنت.
قبل أن تصل إلى مدينة الحسنة ستجد طريقا يمتد نحو اليسار، تلك هي الخطوة الأولى للوصول إلى منطقة جبل الحلال، الطريق مغلق بالمدرعات فلا توجد أي تجمعات سكنية على طول الطريق.
لكن إذا ما تقدمت قليلا في اتجاه مدينة الحسنة ستجد مدقات صغيرة غير ممهدة، وفى بعض الأحيان ستضطر إلى تسلق بعض المرتفعات حتى تعبر إلى الطريق المغلق.
بطول هذا الطريق الذي ينتهي بتفرعات ضيقة أحدها عليك أن تسلكه لكي تصل إلى المدق الذي يصلك إلى جبل الحلال، آثار السيارات المدرعة وأقدام الجنود ترسم ملامح المعركة النارية التي خاضها أفراد الجيش الثالث الميداني مع المسلحين خلال الأيام الماضية.
مع تقدمك نحو الجبل تجد آثار طلقات النار والفوارغ وأحيانا آثار لفوارغ قذائف ثقيلة على الأرض، هناك طريق واحد يجب أن تسلكه للمرور إلى المنطقة التي كان يتجمع فيها المسلحون، هذا الطريق أو «الدرب» أو الممر يقع بين جبلين أو مرتفعين، للوهلة الأولى تعتقد أنك في مأمن وأن أحدا لا يراك، لكن عندما تدقق أكثر ستجد نفسك مكشوفا، ستجد مغارتين، الأولى على اليسار يستطيع من يجلس فيها أن يرى من يمر من هذا الدرب، دون أن يحدث العكس، وبعد قرابة 300 متر تقريبا ستجد مغارة أخرى على اليمين لها نفس مواصفات المغارة الأولى، تعتقد أنها عبارة عن ثقب في جبل، مع قليل من التسلق يمكنك أن تقترب وتصل إلى فوهتها ستكتشف أنه ممر ضيق يصل إلى ما أشبه بغرفة تبلغ مساحتها قرابة 30 مترا مربعا، بداخلها آثار لإشعال «راكية نار» وقطع من الخشب مثبتة في ثقوب الجدران لاستعمالها ك«شماعه»، ستجد فرشا أو سجادا بدويا ملقى على الأرض وجركن به قليل من الماء، دون ذلك لن تجد شيئا أو بالتأكيد فإن قوات الأمن جمعت ما قد يفيدها في تحقيقاتها مع تلك العناصر التي كانت تسكن في تلك المغارة.
في مدخل المغارة ستجد مجموعة من القطع الصغيرة من الصخور سقطت في المدخل نتيجة تعامل قوات الأمن مع المسلحين.
أما المغارة الثانية فيصعب الصعود إليها إلا من خلال استمرارك في السير إلى الداخل لقرابة 600 متر، ثم تصعد متسلقا الجبل وتعود في منطقة تعلو الممر الضيق إلى أن تصل إلى باب المغارة الثانية، وهي المغارة التي ظهرت في الصورة التي بثها المتحدث العسكري على صفحته للجنود وهم يقتحمونها قبل 3 أيام.
بمجرد أن تسير في تلك الوديان والدروب تستطيع أن تلاحظ آثار طلقات النار التي تقطع بأن معركة لم تكن سهلة دارت في تلك المنطقة.
أهم ما في الرحلة قصص النجاح والتحدي التي رسمها أبطال القوات الخاصة وأفراد الجيش الثالث الميداني، عندما تسمع من بعضهم تفاصيل ليالي الاقتحام لتلك البؤرة والخطة المحكمة التي وضعت من أجل السيطرة على أسطورة جبل الحلال.
خطة الفجر كانت الحاسمة بالنسبة لمعركة اقتحام الجبل، لم يكن من الممكن أن تقتحم القوات الجبل عبر الوادي أو الممر الضيق الوحيد للصعود إلى منطقة العمليات، الخسائر كانت ستكون كبيرة إذا ما حدث ذلك، خاصة أن مغارات كان بداخلها مسلحون تطل على ذلك الممر كان بإمكانهم أن يكشفوا القوات بسهولة.
كان الخيار الأمثل للقوات أن تمر دون أن تعبر ذلك المضيق الصغير، وكان التفكير في إنزال قوات خاصة في نقطة خلف ذلك الممر الضيق. لكن ذلك لم يكن سهلا في ظل سيطرة المسلحين على مناطق مرتفعة من الجبل كله.
ولكن بعمليات من الاستطلاع تم التوصل إلى نقطة خلف الجبل يمكن أن تتم فيها عملية الإنزال، لكن صوت المروحيات كان أمرا مقلقا بالنسبة للقوات الخاصة، لذا تم التفكير في التغطية على صوت المروحيات بأصوات صواريخ تسبب الضجيج في المنطقة بالكامل، وتم تكرار عمليات إطلاق صواريخ على المنطقة لأكثر من ليلة لتضليل المسلحين، فضلا عن عمليات ومناورات كانت تحدث بشكل متقطع، إلى أن تم الوصول إلى نقطة الصفر كما يقول – أحد أفراد القوات الخاصة.
القوات التي تم إنزالها خلف الجبل تمكنت من التسلق لأماكن منتشرة على مرتفعات الجبل، وتعاملت القوات مع الأفراد المسلحين الذين كانوا يملكون اسلحة متطورة، في الوقت الذي كانت قوات خاصة تهاجم من أسفل أيضا، وبذلك تمكنت القوات من محاصرة الإرهابيين ما بين قوات من الأعلى وقوات أخرى من الاسفل حتى القضاء على قرابة 32 شخصا والقبض على 18 متهما.
لكن قبل عملية الاقتحام كانت قوات الجيش حاصرت جميع الطرق والدروب المؤدية إلى الجبل لقطع كل أشكال الدعم المادي والأسلحة التي يتم تهريبها للعناصر الإرهابية المختبئة في الجبل. وتمكنت القوات من تدمير أي وسائل مساعدة للعناصر المسلحة مثل سيارة الدفع الرباعي التي كانوا يتخذونها وسيلة للهروب في الصحراء، لكن بسبب طبيعة المنطقة الجبلية كانوا يتركونها على بعد 3 كيلومترات تقريبا من بداية الوادي الذي يعد المدخل الرئيسي لجبل الحلال.
على مدار 5 أيام تواصلت حملات قوات الجيش الثالث الميداني على تلك المنطقة التي كان يعيش على أطرافها مواطنون بمجرد أن بدأت الحملات انتقلوا إلى أماكن بالقرب من مدينة القسيمة وبعضهم ذهب إلى أطراف مدينة الحسنة.
بعد عملية الاقتحام توصلت القوات إلى بؤرة جديدة للإرهابيين تبعد قرابة 4 كيلو من مركز جبل الحلال حيث تم اكتشاف 3 مصانع لتجهيز العبوات الناسفة والقنابل اليدوية ومستشفى ميداني ومخازن قطع غيار سيارات، وبضربات جوية تمكنت القوات من تدمير تلك المناطق إلى جانب تدمير العشرات من سيارات الدفع الرباعي والدراجات البخارية التي تستخدمها العناصر الإرهابية في مهاجمة قوات الجيش والشرطة، وتدمير مخزن يحتوي على كمية كبيرة من الألغام المضادة للدبابات.