"هنرييتا غرين"مولودة في 21 نوفمبر عام 1834 في نيوبيدفورد في ماساتشوستس لأسرة غنية من طائفة الكواكر المسيحية، وبسبب سوء الحالة الصحية لوالدتها، ظلت في طفولتها في رعاية والدها أو جدها الذي رباها على احترام المال. وفي سن السادسة كانت تقرأ له أخبار المال وتقارير البورصة، وفي سن العاشرة عملت سكرتيرة لجدها تكتب له الرسائل وتشارك في اجتماعاته التجارية.
وفي سن مبكرة، اقتحمت "غرين" عالم البورصة، وحول هذا الأمر قالت تقارير إعلامية: عندما كانت في سن العشرين، اشترى لها والدها خزانة ملابس ضمت العديد من الأزياء الفاخرة؛ حتى تتأنق وتحصل على زوج جيد؛ ولكنها باعت الملابس واستخدمت المال في الاستثمار في أذون الخزانة الحكومية.
ورغم اهتمامها بالاستثمار منذ مراهقتها؛ إلا أنه كان عليها الانتظار حتى الثلاثينيات من عمرها للحصول على المال اللازم للعمل كمستثمرة محترفة.
توفي والد "غرين" عام 1865 تاركًا لها ثروة الأسرة التي كانت تُقدر بنحو 5 ملايين دولار، وعندما توفيت عمتها سيلفيا بعد ذلك بوقت قصير تاركة مليونيْ دولار للهيئات الخيرية.
عملت "غرين" في العقارات وشراء الأراضي وخاصة التي كان يُتوقع تحولها إلى مسارات للسكك الحديدية، كما قدّمت القروض للبنوك المتعثرة والمدن التي تعاني من أزمات مالية.
قالت ذات مرة لـ"نيويورك تايمز" عام 1905: "أقوم بالشراء عندما يكون السعر منخفضًا ولا أحد يريد البضاعة التي أحتفظ بها؛ حتى يرتفع سعرها ويتعطش الناس للشراء".
ووفقًا لكتاب "ساحرة وول ستريت الشريرة" الصادر عن حياتها عام 1936، توقعت "غرين" انهيار البورصة؛ فكدست الأموال السائلة لتقديم القروض.
كانت "غرين" تعتقد أن الرجال يطمعون في مالها؛ لذلك لم تتزوج حتى سن الـ33 من عمرها، عندما ارتبطت بإدوارد هنري غرين، وكانت له ثروته الخاصة المتواضعة؛ ولكنه لم يكن بذكاء زوجته، وقد أنجبا ابنًا هو "ند" وابنة هي "سيلفيا".
وكانت "غرين" قد احتفظت بمالها بعيدًا عن متناول يد زوجها؛ مما أدى إلى توتر العلاقة ومغادرة الزوج للبيت في وقت لاحق؛ ولكن عندما مرض قدّمت له الرعاية قبل موته.
كتبت صحيفة "واشنطن بوست" عنها عام 1909 تقول: "إنه منذ وفاة زوجها، صارت ترتدي زي الأرملة الأسود"، وقد ظلت ترتدي نفس الزي حتى وفاتها.
ورغم ثروتها، فقد كان أطفال "غرين" يرتدون ملابس مستعملة، وعاشت في عدد من الشقق المتواضعة في نيويورك ونيو جيرسي؛ لتجنب دفع أموال في إعداد منزل أو دفع ضرائب، وكانت وجبتها اليومية على الغداء هي الشوفان الذي تسخنه على المدفئة، كما كانت تبحث عن الأماكن التي تقدم العلاج المجاني.
ومن الروايات التي تُروى عنها، أنه عندما أصيب ابنها بكسر في ساقه، أخذته لعيادة مجانية، وعندما تعرّف عليها الأطباء وطالبوها أن تدفع كلفة علاج نجلها، تركته ببساطة لديهم وانصرفت؛ فلم يتلقَّ الابن العلاج المناسب؛ مما أدى لاحقًا لبتر ساقه. ولكن جمعية "نيو إنجلاند" التاريخية تنفي هذه القصة، وتقول: "مثلها مثل العديد من القصص المرتبطة بغرين لا تخلو من المبالغة".
وقد رفضت "غرين" الاتهامات التي وُجهت لها بالبخل، وقالت في حديث صحفي: "لست امرأة صعبة؛ فأنا ببساطة من طائفة الكواكر، وأحاول الالتزام بإيمان هذه الطائفة من حيث بساطة المظهر والحياة الهادئة؛ حيث لا تسعدني أشكال الحياة الأخرى".
ومع تقدّمها في العمر صارت تنام وإلى جانبها سلسلة تضم مفاتيح خزائنها في البنوك ومسدس. بعد موتها عاش نجلاها حياة رغدة؛ حيث صار ابنها جامعًا للأعمال الفنية، ولدى وفاة ابنتها عام 1961 تركت ضيعتها للهيئات الخيرية. في عام 1916، توفيت هيتي غرين عن عمر يناهز 81 عامًا، وقد وصفتها صحيفة "نيويورك تايمز" حينئذ بأنها "أغنى امرأة في أمريكا"؛ حيث تركت مبالغ نقدية تُقَدّر بنحو 100 مليون دولار؛ أي ما يعادل اليوم 2.3 تريليون دولار بأسعار الوقت الراهن.
ظلت "غرين" ترتدي طوال حياتها فستانًا واحدًا أسود اللون، وقبعات رخيصة، وتحمل حقيبة يد واحدة سوداء اللون، ولم يكن لديها سيارة حيث كانت تسير في شوارع منهاتن المزدحمة في نيويورك إلى مكتبها في البنك الكيماوي؛ حيث كانت تدير إمبراطوريتها التجارية.