ودأب ترامب على تصوير نفسه في قالب محدد مختار بعناية. وقد كشف بيتر مارك جاكوبسون، المنتج التنفيذي لمسلسل "ذا ناني" في جريدة نيويورك تايمز، عن حرص ترامب الشديد على متابعة الطريقة التي سيظهر بها أمام الناس.
وقال جاكوبسون إن أحد ممثلي ترامب اعترض ذات مرة على الإشارة إليه في نص الحلقة التي سيظهر فيها على أنه صاحب الملايين، لأنه "صاحب مليارات" وليس "ملايين".
وقال ممثل ترامب: "يريد ترامب تغيير هذا السطر ليوافق صفته الحقيقية." واستقر رأي جاكوبسون على أن يغير ذلك الوصف إلى "صاحب الأموال الطائلة".
ربما لم يكن ظهور ترامب المتكرر في لقطات قصيرة لافتا للأنظار في الوقت الذي أذيعت فيه تلك اللقطات، لأنها لم تكن تعدو مجرد محاولات لرجل أعمال لتحقيق الشهرة.
إلا أن هذه اللقطات حققت هدفين في الواقع، أولهما أنها أقنعت المشاهدين الأمريكيين أن ترامب رجل أعمال حقق نجاحا لا تخطئه عين، وثانيهما أن ترامب اتخذها وسيلة للتدرب على الظهور في برنامجه الواقعي "ذا أبرنتس"، الذي يظهر فيه كرئيس ناجح يُقيّم عشرات من المتقدمين من الشباب الذين يستجدون موافقته على منحهم الفرصة للعمل لدى شركاته.
وذكر ترامب لجريدة "واشنطن بوست"، أنه لم يأخذ بنصيحة وكيل أعماله عندما تعاقد على تقديم "ذا أبرنتس" سنة 2004.
وقد عُرض البرنامج في وقت اشتد فيه ولع الناس ببرامج تليفزيون الواقع، وحقق نجاحا منقطع النظير في المواسم القليلة الأولى لعرضه، إذ شاهد البرنامج في عامه الأول نحو 20 مليون مشاهد.
وتُعلق جريدة "واشنطن بوست" قائلة إن ترامب أدرك مدى قدرة البرنامج على التأثير على الشباب، وقد حرص من البداية على الزج باسمه في العمل التليفزيوني كلما سنحت له الفرصة، فمثلا كان يظهر اسمه على طائرته الخاصة في لقطات عديدة من البرنامج.
ونظرا للنجاح الذي حققه برنامج "ذا أبرنتس"، طلبت شبكة "إن بي سي" التلفزيونية من ترامب أن يتندر على ثروته في إطار أغنية يتوق فيها إلى العودة إلى الحياة الريفية، في حفل توزيع جوائز "إيمي" سنة 2006.
وبعد تفاوض ترامب من أجل امتلاك حصة 50 في المئة من البرنامج، وتغيُر مؤشرات نجاح البرنامج عن الموسم الأول، قررت شبكة قنوات "إن بي سي" أن يتناوب على تقديم البرنامج بعض كبار رجال وسيدات الأعمال، مثل ريتشارد برانسون، ومارثا ستيوارت.
استطاع ترامب بفضل عبارته الشهيرة "أنت مطرود" في برنامج "ذا أبرنتس" أن يصبح في نظر الأمريكيين الرجل صائب الرأي الذي لا يخشى قول الحقيقة، لينقل رسالة مفادها أن النقد الموجه يشد عضد رجال الأعمال الأمريكيين، ومن ثم سيصب في مصلحة أمريكا ككل.
ولم يذهب مجهود ترامب هباء، فبعد برنامج "ذا أبرنتس" لم تعد شعبية ترامب تقتصر على مدينة نيويورك فحسب، بل أصبح نجما تلفزيونيا يحظى بمكانة في قلوب سكان منطقة الغرب الأوسط لأمريكا، وهي المنطقة التي لعبت دورا حاسما في حملته الانتخابية.
ورغم ذلك، بدأ برنامج "ذا أبرنتس" في الأفول منذ وقت طويل، حتى في نسخته التي يتسابق فيها المشاهير لنيل الجائزة المالية، مما حدا بترامب إلى السخرية من أرنولد شوازنغر، الذي يقدم البرنامج بدلا منه، لأنه لم يصمد أمام "دونالد ترامب، الذي لا يدانيه أحد من حيث نسبة المشاهدة"، على حد قوله.
لكن في الواقع، انخفض تقييم البرنامج، وتراجعت شعبيته بشكل كبير منذ عدة مواسم.
وعندما أعلن ترامب ترشحه للرئاسة في يونيو/حزيران عام 2015، استطاع أن يخطف الأضواء من منافسيه في الحزب الجمهوري، الذين لا يحظون بنفس القدر من الشهرة التي يحظى بها ترامب، ومن ثم حصلوا على عدد أصوات أقل منه، ويُعزى كل هذا إلى ظهوره المتكرر على شاشات التليفزيون.
ورغم التقارير والمزاعم التي تلاحقه عن إخفاقاته التجارية أو عن تورطه في الاحتيال على طلبة "جامعة ترامب"، فإن صورته لم تهتز أمام الجماهير الذين يرون أنه يتمتع بذهن متقد في مجال التجارة والأعمال، وأنه صاحب أموال طائلة، بحسب الصورة التي رسمها لنفسه على شاشة التليفزيون.
وقد لاقت قدرة ترامب على إضفاء جو من الإثارة على المشهد الواقعي القاتم، سواء بإيماءاته أو تعليقاته غير المتحضرة، اهتماما لدى الجماهير، تُرجم إلى ارتفاع في نسبة مشاهدة القنوات الإخبارية كلما ظهر فيها متحدثا إلى الجماهير في إطار حملته الانتخابية.
وفي أعقاب فوز دونالد ترامب بترشيح الحزب الجمهوري لخوض الانتخابات الرئاسية، أعرب بيل برويت، المنتج السابق لبرنامج "ذا أبرنتس"، عن ندمه لأنه ساهم في تلميع صورة رجل الأعمال أمام جمهور المشاهدين.
وأوضح برويت، في رسالة بالبريد الالكتروني لمجلة "فانيتي فير"، أنه من خلال هذا البرنامج: "ساهم مع غيره من المنتجين المهرة في عرض قصة نجاح غير حقيقية لرجل أعمال صاحب مليارات".
وأضاف: "في الواقع، كانت إمبراطورية هذا الرجل تتداعى في الوقت الذي حصل فيه على الوظيفة، والراتب، وحقوق الملكية، ليقدم برنامجا لتليفزيون الواقع".
وأضاف برويت: "لم يكن برنامج "ذا أبرنتس" إلا خدعة احتلنا بها على الجمهور لنزيد من نسبة مشاهدة القناة. ولم يكن هدفنا آنذاك إلا 'تسلية' الجمهور، ولكن انقلبت قصة دونالد وما يحظى به من أهمية ومكانة إلى 'حقيقة' صدقها الجمهور".
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقعBBC Culture .
محطات في حياة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
يمتلك الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، تاريخا حافلا بالظهور على شاشة التلفاز، وجاءت أبرز اللقطات التي ظهر فيها في إحدى برامج المصارعة، حين طرحه مصارع أرضا على الحلبة.
وفي إحدى حلقات المسلسل الكوميدي "سبين سيتي" التي عُرضت سنة 1998، دلف ترامب مزهوا بنفسه إلى مكتب عمدة نيويورك، راندال وينستون، الذي كان يحتاج إلى من يُسدي له نصيحة حول كيفية تدوين مذكراته.
ثم جلس ترامب في مقعد العمدة، بلا استئذان، وتفاخر بأنه لم يجد أي صعوبة في تأليف كتابيه "فن إبرام الصفقات"، و"فن العودة"، بعد أن أنهى كتابة "تسعة فصول" من أحدهما في يوم واحد، على حد قوله.
وفي عام 1996، أطل ترامب مرة أخرى في مسلسل "ذا ناني" (أو المربية)، وهو يحمل هاتفين محمولين، قبل انتشار الهواتف المحمولة.
وفي عام 1994، في مسلسل "ذا فريش برينس أوف بيل أير"، لم يكد يراه كارلتون، المؤيد للحزب الجمهوري المحافظ، يدخل من الباب حتى سقط مغشيا عليه.
ومن بين أبرز اللقطات التي ظهر فيها الرئيس الحالي للولايات المتحدة، وأكثرها إثارة، حين تظاهر في حلبة المصارعة بأنه تغلّب على منافسه فينيس ماكماهون، مالك مؤسسة "المصارعة العالمية الترفيهية"، أثناء مباراة للمصارعة بُثت عبر شاشات التلفاز، وانتهت الفقرة التمثيلية بركل ترامب وطرحه أرضا.
وفي إحدى حلقات مسلسل "ذا جوب" (الوظيفة)، ظهر وهو يتحدث إلى البطل بإيحاءات مشينة، كما ظهر في مسلسل "سيكس آند ذا سيتي" وهو يقوم بدور وسيط بين رجل ثري أكبر منه سنا، وسيدة تدعى "سامنثا"، أراد الرجل الثري أن يواعدها.
ثم في سنة 2004، خاض ترامب غمار إنتاج وتقديم حلقات برنامج "ذا أبرنتس" أو المتدرب، ليجسد صورة رجل الأعمال الأفضل في البلاد.
وقد أدرك ترامب قوة تأثير التليفزيون قبل أن يترشح للرئاسة بوقت طويل.
وبظهوره المتكرر على الشاشة الصغيرة في صورة رجل الأعمال القوي الناجح فاحش الثراء، استطاع أن يصل إلى شريحة كبيرة من الشعب الأمريكي، وبهذا حقق ما لا يستطيع أن يحققه أي تقرير صحفي يصف نجاحاته وإخفاقاته الحقيقية.
أما عن تاريخ ترامب الحافل بفضائح الإفلاس، أو السمعة السيئة بين بعض من يعرفونه أو يتعاملون معه في الواقع، فلم يكترث لهما أحد.
لكنه قُدم في إحدى المرات النادرة بطريقة سلبية في حلقة من برنامج "عالم سمسم" عام 2005، من خلال شخصية "دونالد غرامب"، الذي تفاخر في تلك الحلقة بأنه "الأسوأ سمعة!"
وانطلق ترامب من التليفزيون إلى السينما، إذ ظهر في أدوار قصيرة في الجزء الثاني من فيلم "وحدي في المنزل"، و"الأشقياء الصغار". كما استوحيت شخصية "بيف" المشاغب والمتنمر في فيلم "العودة إلى المستقبل" من شخصية دونالد ترامب.
ومع ذلك، لمع اسم دونالد ترامب في التليفزيون قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، لأنه كان أفضل وسيلة للوصول إلى أكبر عدد من الجماهير.
وتُثبت المشاهد التي اختارها ترامب بعناية أنه كان أكثر اهتماما، بل وبراعة، في تشكيل صورته أمام الرأي العام مقارنة بأي شخص آخر.
وفي حين أن جون إف كنيدي كان أول رئيس أمريكي استطاع أن يتحدث بلباقة أمام الكاميرات التليفزيونية، فإن دونالد ترامب هو أول نجم تلفزيوني يصبح رئيسا. ومن المرجح أن يواصل تسخير مهارته إلى حدٍ يجعله يصور نفسه على أنه زعيم "العالم الحر".