وحسب تقرير على موقع "الحرة"، فقد سارع مكتب كبير المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي بإصدار بيان لتصحيح ما جاء بتصريح "هيخت"، لكن ذلك لم يكن كافيًا لتبديد الأجواء التي أثارها التصريح، ودفع المسؤولين المصريين لإبداء التوجس وإطلاق التحذيرات، خلال الأيام الماضية، فتصريح "هيخت"، ضرب على وتر "قضية حساسة" لدى المصريين، وكان الحديث عنها قد تردد عدة مرات سابقًا، وفي عصور مختلفة. عبارات حادة أطلقها "السيسي"
وحسب التقرير، وصلت المواقف المصرية إلى محطة أخيرة خيّمت عليها عبارات حادّة، وجاء إطلاقها على لسان الرئيس، عبد الفتاح السيسي، معتبرًا أن ما يحدث في غزة "محاولة لدفع السكان والمدنيين إلى النزوح نحو مصر"، لافتًا إلى أنه "إذا كان من الضروري نقل مواطني القطاع خارجه حتى انتهاء العمليات العسكرية، فيمكن لإسرائيل نقلهم إلى صحراء النقب".
كيف أثيرت قضية سيناء؟
ولم تعبر أي مساعدات إنسانية إلى القطاع من خلال المعبر رغم تكدسها هناك، وفي الجهة المقابلة لم يمر من خلاله أي فلسطيني أو شخص من الرعايا الأجانب المختطفين في غزة.
ويعكس حديث السيسي، في مؤتمر صحفي برفقة المستشار الألماني، أولاف شولتس، حالة التوجس المصرية القائمة، وفق مراقبين، وذلك من أن "تجبر إسرائيل السكان في غزة للعبور باتجاه سيناء"، وخاصة أنها أطلقت تحذيرات متتالية منذ يوم السابع من أكتوبر2023، مطالبة السكان في القطاع الانتقال من شماله إلى جنوبه.
تحذيرات ورفض صارم من "السيسي"
وأضاف السيسي أن "نقل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء هو نقل فكرة المقاومة والقتال من غزة إلى سيناء، لتكون الأخيرة قاعدة لانطلاق الهجمات ضد إسرائيل، وحينها يكون لها (إسرائيل) الحق في الدفاع عن نفسها، وبالتالي تقوم في إطار رد الفعل بالتعامل مع مصر، وتوجيه ضربات للأراضي المصرية".
ورغم أن الجانب الإسرائيلي لم يعلن صراحة نيته نقل الفلسطينيين من القطاع إلى سيناء، وتشير تحذيرات جيشه إلى ضرورة انتقالهم إلى جنوب القطاع قدوما من شماله، فتحت عبارة، ريتشارد هيخت، بابا مصريا للتحذير ورفض "خطة توطين الفلسطينيين من قطاع غزة في مصر" من جديد.
" خطة سيناء" بدأت قبل أكثر من 70 عامًا
وحسب التقرير، "خطة توطين سكان غزة في سيناء" كانت بدأت قبل أكثر من 70 عامًا، وأعيد طرحها عدة مرات، أولا خلال عهود الرؤساء؛ جمال عبدالناصر، وأنور السادات، وحسني مبارك، ومحمد مرسي، وأخيرًا، عبدالفتاح السيسي، دون أن تنعكس بشكل فعلي على الأرض.
ما أسباب الرفض المصري؟
ويعد معبر رفح هو نقطة التواصل الوحيدة بين قطاع غزة والعالم الخارجي غير الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية المباشرة، ويعتبر البوابة الرئيسية الوحيدة التي تربطه مع مصر، وكان يشهد في السابق عبور آلاف الفلسطينيين شهريا، للعلاج أو الدراسة.
وينقل موقع "الحرة" عن مدير تحرير جريدة "الأهرام" المصرية، أشرف العشري، إن أسباب رفض القاهرة القاطع لـ"تهجير الفلسطينيين إلى سيناء" ترتبط بجانبين، الأول "أمن قومي" والثاني خاص بالفلسطينيين وقضيتهم.
ويوضح "العشري": أن "الموقف عبّر عنه الرئيسي السيسي صراحة، بقوله إن مسؤولية الأمن القومي مسؤوليته الشخصية، وأنه لن يهادن أو يقبل بأي نوع من عمليات التهجير أو التوطين في سيناء".
وذلك لأن "عملية التهجير" ستقتل القضية الفلسطينية، وتعطي "فرصة لإسرائيل للإجهاز عليها بالكامل"، بحسب "العشري".
ويضيف من جانب آخر أن "مصر غير مستباحة والأمر مرفوض ولا يوجد أي مسؤول مصري يقبل مجرد الحديث عن مثل هذا الأمر. قضية التهجير إلى سيناء هي والعدم سواء".
محاولات إسرائيلية فاشلة في الماضي
ويشير أستاذ العلوم السياسية بـ"جامعة الأمة" في قطاع غزة، الدكتور حسام الدجني، إلى أن "فكرة ترحيل السكان في غزة إلى مصر ليست حديثة ووليدة هذا القرن".
وفي 1970 كان هناك محاولات ومخططات إسرائيلية لتطبيق ذلك وفشلت، وعندها كان سكان القطاع لا يتجاوز عددهم 300 ألف نسمة.
وينقل "الحرة" عن "الدجني" أن: "الشعب الفلسطيني بعد هجرة 48 و67 لم يعد بالإمكان تهجيره".
ويرى أن "الموقف المصري يرتبط بالأمن القومي، لأن فكرة التهجير الإسرائيلية تقوم على تفريغ غزة من سكانها، وإلقاء الكتلة الديمغرافية التي تشكل بوابة الأمن القومي المصري من الناحية الشمالية في سيناء".
محلل إسرائيلي: أستبعد دعوات التوطين
ورغم أن "الرفض المصري واضح جدًا"، يوضح المحلل الإسرائيلي، يوآف شتيرن، أنه "وحتى الآن لا يعرف إن كانت هناك نية حقيقية أو طلب إسرائيلي وأميركي بأن يدخل الفلسطينيون إلى سيناء".
ويقول "شتيرن" لموقع "الحرة": "أنا أستبعد أو على الأقل لم نسمع في إسرائيل مثل هذه الدعوات بشكل فعلي، وهذا يتناقض مع العلاقات السلمية مع مصر".
وكانت القاهرة قد رفضت على مدى السنوات الماضية "تهجير وتوطين الفلسطينيين عندها"، وبينما يقول المسؤولون فيها إن موقفهم يأتي "كي لا تنسى القضية"، يعتقد "شتيرن" أن القصة ترتبط بأسباب أخرى، بينها أن "مصر ترى في التواجد الفلسطيني الداخلي تهديدًا لأمنها القومي".
ويتابع: "الوجود الفلسطيني دائمًا كان له تأثير على ما يحدث في محيطه، ورأينا ذلك في الماضي في لبنان والأردن". خطة ومشكلة دون تعويض
وينتظر آلاف الفلسطينيين على جانب غزة من الحدود، بينما تقف مئات الشاحنات التي تحمل المساعدات التي تشتد الحاجة إليها على الجانب المصري.
كما تتجه العديد من قوافل المساعدات نحو الحدود، بانتظار فتح المعبر، بعد اتفاق أمريكي مصري.
يذكر أن المعبر تعرض لغارات إسرائيلية في الأيام القليلة الماضية، وتعمل آليات وجرافات حاليًا على إعادته لحالته الطبيعية بعد إصلاح الأضرار الناتجة عن القصف.
وكان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أعلن، الأربعاء، أن نظيره المصري، وافق على فتح معبر رفح الحدودي، للسماح بإدخال دفعة أولى من شاحنات المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر.
وقبل ذلك قالت الحكومة الإسرائيلية إنها لن تمنع دخول المساعدات إلى غزة من مصر لكن لن يُسمح بوصول الإمدادات إلى حركة حماس الفلسطينية.
ومع ذلك لم يربط المسؤولون المصريون تحذيراتهم ورفضهم الصارم لـ"تهجير الفلسطينيين إلى سيناء" مع قضية إغلاق المعبر منذ التصعيد الذي تلا هجوم السابع من أكتوبر. عدة أسباب للرفض المصري
وحسب "الحرة"، يعتقد ديفيد دي روش، وهو مسؤول سابق في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) والمحاضر بكلية الدفاع الوطني بواشنطن، أن هناك عدة أسباب وراء رفض مصر لنقل الفلسطينيين إلى سيناء.
الأول هو أن "مصر تنظر إلى حماس باعتبارها منظمة قريبة من جماعة الإخوان المسلمين، وتعتبرها تهديدًا للدولة، ولا تريد استيراد المشاكل".
ويضيف "دي روش": أن "المصريون يشعرون أنه إذا دخل سكان غزة إلى أراضيهم فإن إسرائيل لن تسمح لهم بالعودة، وبذلك ستكون مصر قد استوردت مشكلة إسرائيلية دون تعويض".
وهناك سبب ثالث وراء الرفض، ويرتبط بـ"الوضع الأمني في سيناء، حيث لا يريد المصريون المخاطرة".
حتى لا تتم تصفية القضية الفلسطينية
لكن مدير تحرير صحيفة "الأهرام"، أشرف العشري، يرى أن "التمسك المصري برفض أي محاولة تهجير ربما يكون لجعل الفلسطينيين يتمسكون بقطاع غزة، كي لا تتكرر نكبة 1948 مرة ثانية".
كما لا تريد مصر "أن تعطي لبنيامين نتانياهو فرصة للإجهاز على القضية الفلسطينية، وبالتالي نسف أي تسوية سياسية، لأن الأمر سينعكس بالسلب على فلسطين وضياع حقوق الفلسطينيين".
ووجهت القاهرة عدة رسائل تحذيرية، خلال الأيام الماضية، لأمريكا وإسرائيل والأطراف الغربية بشكل كامل، وترجم السيسي ذلك أيضا بقوله، الأربعاء، إن "الكثير من المصريين يرغبون بالنزول إلى الشوارع للتعبير عن رفضهم للتهجير". لا تهجير مهما كانت الضغوط
ويتابع "العشري" : "لن تحدث خطة التهجير مهما كانت الضغوط دولية أو داخلية أو خارجية. الأمر محسوم ومنتهي، والأيام القادمة ستشهد تأييدا وتفويضا من الشعب لاتخاذ ما يلزم لحماية أمن وحدود مصر، كونها خط أحمر".