بين متفرج ومتابع، ومتوجس على جنبتي الشارع الرمز، الحبيب بورقيبة وسط العاصمة التونسية، كانت الحشود التي تحدثت عنها قبل أيام مواقع التواصل الاجتماعي، انها الساحقة الماحقة، لرأس قرطاج، تيمنا بنفس التاريخ عام 2011، لريثما يفكر قيس سعيد مثلما فعل الراحل زين العابدين بن علي - آنداك- في الخروج والعودة، ويخال لهم، أن أطاحته ثورة شعبية، لكن هيهات.
ورغم أن شتاء تونس 2023 أبى إلا أن يكون دافئا، فقد اصر المتظاهرون على أكثر من غطاء، بين المطالب الاجتماعي، والسياسية، والحزبية، تعددت الأغطية لكسب الرأي العام الشعبي، لكن كل هذه الأغطية لم تنجع حتى في أن تكون قناعا ساترا عورة التنظيمات الإسلامية، بعد أن سقطت عنهم ورقة التوت.
حزب حركة النهضة الإسلامي إلى جانب حزب التحرير، وما لف لفيفيهما احتشدوا أمام وزارة الداخلية التونسية، في حضور أمني رأى أن المشهد على حرارته وحماسته لم يكن مثار للتحرك أو المواجهة، فما أبعد اليوم عن الأمس.
العمل وحرية الرأي والتعبير، كانت أقصى مطالب الثائرين عام2011، تضمنتها شعارات من قبيل "شغل حرية كرامة وطنية" كان هذا هتافا ضد من كان يبدو لهم الطاغية، ومثلما تبدأ انهيارات السياسيين بالتنازلات أمام الثوار، كانت سلسلة تنازلات التونسيين امام سفراء الطغاة الجدد، باستبدال المطالب التي لم تتحقق، بغيرها بعيدة المنال.
دعوات لدولة الخلافة، وأخرى لإطلاق رمز حزب حركة النهضة الإسلامي، علي العريض، ورفض عودة دولة البوليس، كل هذا وأكثر لم يكن معبرا عن ما يختلج في حشايا التونسيين، الذين يئنون اليوم تحت وطأة البحث عن قوت اليوم الدي لا يملك البعض منهم ثمنه، بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تزداد ضيقا بعد ضيق، دون آمال تلوح في الافق بالإنفراج.
تحركات أخرى لم تنجح في الولوج إلى شارع الحبيب بورقيبة، مثل الحزب الدستوري الحر بقيادة عبير موسي، التي أنهكتها سياسة تقليم الأظافر، وأسقطت في يديها، ولم تعد خليفة الحزب البورقيبي ذات تأثير على الإرادة الشعبية، بعد أن خطف قيس سعيد الأضواء منها في 25 يوليو2021، وسط آمال شعبية ببداية جديدة وعهد لا مكان فيه للأكلين على كافة موائد المتآمرين على أمن بلدانهم.
وسط هذا الزخم من الثورجيين قفل التونسيون عائدون إلى الديار، مع ضوء أمل جديد في إنطفائه، في تغيير حتى وإن كان يعود بهم إلى ما قبل هذا التاريخ، ولكن منذ 12 عاما.
وإذا كان الإغريق كسروا حصار طروادة الذي دام عشر سنوات، بحصان خشبي أجوف تم بناؤه في ثلاثة أيام بمساعدة الجاسوس سينون، فأي أمال مازالت تحدو الإسلاميين باستعادة حكم أفريقية رغم أنهم جميعهم سينون؟
سؤوال يبحث عن جواب، حتى لدى العالمين ببواطن الأمور، بعد 12 عاما كانت كافية لإغلاق ابواب التوقعات والتكهنات، ومع انتخابات تشريعية لم تكشف بعد عن نتائجها، فالقادم يظل رهين مدى تحمل التونسيين لاختبار صبرهم.