وكان الرئيس التونسي، قيس سعيد قد عزل 57 قاضيا ووكيلا للجمهورية، بعد أن وجه لهم تهما بالفساد والتواطؤ والتستر على متهمين في قضايا إرهاب، وتعطيل تتبع ملفات المشتبه بارتكابهم أعمالا متطرفة ومنها قضايا ملف الجهاز السري لحركة النهضة الإخوانية.
واستهل رئيس جمعية القضاة التونسيين، أنس الحمادي الجلسة الافتتاحية بالنشيد الوطني التونسي، وقراءة الفاتحة على روح القاضي المنجي شلغوم، رئيس دائرة بمحكمة التعقيب، لتبدأ العبارات والهتافات النارية، ضد القرارات التي تتخذها السلطة التنفيذية في تونس والممثلة في رئيس الجمهورية، قيس سعيد.
وأمام المئات من القضاة وكافة هياكل القضاء، (فيديو: بدون حذف وقائع المجلس الوطني لجمعية القضاة التونسيين بعد عزل57 قاضيا)، أتهم أنس الحمادي رئيس الجمهورية، بأنه يريد السيطرة على القضاء، وأن يأتمر المرفق القضائي بأمره، مشيرا إلى الأوامر الرئاسية التي يقع نشرها في "الرائد الرسمي" متزامنة مع مخالفاته للدستور، والتي بموجبها يحرّف مواده.
كما اتهم "الحمادي" وزيرة العدل، ليلى جفال بالاحتكام إلى أوامر وزارة الداخلية، في تعاطيها مع السلك القضائي، مؤكدا على أن القضاء لن يتوان في الدفاع عن حريته واستقلاليته، مثلما ناهض الرئيس الراحل، زين العابدين بن علي، وما توالى من بعده من وزراء للعدل منذ سقوط النظام.
وخلال الجلسة الافتتاحية التي قاطعها جمهور القضاة الغفير عديد المرات بهتافات الامتعاض من قرار رئيس الجمهورية، وكيفية تعاطيه مع المرفق القضائي، أكد رئيس جمعية القضاة التونسيين، تضامن الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي معهم، موضحا أن تلك المعاضدة من طرف أعرق المنظمات في تونس، وأكبرها من حيث القاعدة الشعبية، جاءت خلال مكالمة هاتفية معه قبل ليلة من هذه الجلسة الطارئة.
كما أكد أنس الحمادي على أن الهيئات القضائية الدولية أعلنت تضامنها مع القضاء التونسي، واستعدادها التام للوقوف إلى جانبه في مجابهته للسلطة التنفيذية، مؤكدا على أنهم سيلجؤون إلى تدويل قضيتهم.
وقال رئيس جمعية القضاة التونسيين أن ما سيسفر عنه اجتماع الهيئة التنفيذية سيحدد الاجراءات التصعيدية إذا لم يتراجع رئيس الجمهورية عن قراره بعزل 57 قضايا، ومن أهم تلك الإجراءات تعليق العمل بجميع المحاكم والمؤسسات القضائية.
هذا الإجراء التصعيدي كشفه أنس الحمادي خلال نقطة صحفية ( فيديو:- رئيس جمعية القضاة التونسيين يكشف عن الاجراءات التصعيدية اذا لم يتراجع رئيس الجمهورية) تحدث خلالها عن اصرار رئيس الجمهورية على تركيع القضاء، وأن قراراته تأتي من خلال التقارير الأمنية الظالمة، بينما طالب بمعاقبة القضاة ممن يتوفر دليل بإدانتهم على أن يتم تعقبهم طبقا للنصوص القانونية والدستورية.
الجلسة الافتتاحية للمجلس الوطني الطارئ لجمعية القضاة التونسيين تضمنت مداخلات لرؤساء الهياكل القضائية الذين اتفقوا جميعا على الوقوف ضد رئيس الجمهورية في سعيه إلى تركيع السلطة القضائية، (فيديو:- مداخلات رؤساء الهياكل القضائية خلال المجلس الوطني الطاري لجمعية القضاة التونسيين)، وهذا أيضا ما أكد عليه، العميد السابق للمحامين التونسيين والسياسي تونسي المعارض، البشير الصيد، الذي طالب الرئيس بالتراجع عن قراره وتقديم من أخطأ إلى المحاكمة (فيديو:- مداخلة عميد المحامين البشير الصيد خلال مجلس جمعية القضاة التونسيين الوطني الطارئ).
في نفس الاتجاه، كانت مداخلة رئيس المجلس الأعلى للقضاء - المنحل- يوسف بوزاخر، الذي امتنع عن المشاركة في الجلسة في البداية، مما اثار البلبلة لدى البعض ظنا أن أمن الفندق منعه من الدخول والمشاركة، إلا أنه عدل عن رأيه ودخل القاعة وسط اجواء ساخنة وترحيب حماسي، حيث قال إن قرارات قيس سعيد تريد النيل من المؤسسة القضائية وليس من القضاة أنفسهم..(فيديو:- اجواء حماسية في مجلس جمعية القضاة التونسيين عند وصول رئيس المجلس الأعلى للقضاء يوسف بوزاخر).
وكان رئيس الجمهورية قد حل المجلس الأعلى للقضاء في أوائل فبراير 2022 وعين مجلسا مؤقتا في خطوة وصفها معارضوه بأنها محاولة لتعزيز سلطاته الواسعة.
ووسط دموع وانفعال وتأثر روى بعض القضاة المعزولين شهاداتهم، حول الظروف التي حفت بعزلهم، معربين عن اندهاشهم متسائلين عن الأسباب الحقيقية لاتخاذ تلك الإجراءات المجحفة ضدهم..(فيديو:- دموع وشهادات بعض القضاة التونسيين الذين عزلهم رئيس الجمهورية قيس سعيد).
الجلسة الطارئة للمجلس الوطني لجمعية القضاة التونسية كانت كافية لتسخين الأرض تحت قدمي رئيس الجمهورية، وسط تعزيز من القوى السياسية المعارضة لكل خطوات قصر قرطاج منذ 25 يوليو2021 التي بدأت بتجميد مجلس نواب الشعب، الذي يتحكم فيه حزب حركة "النهضة" الإسلامي، في مرحلة أولى ثم حلّه في مرحلة ثانية، وإقالة الحكومة.
فقد سارعت عديد الأحزاب والمنظمات إلى إصدار بيانات رافضة لقرار "سعيد" بعزل القضاة، بينما لم يكن قد توفق القصر في حشد الدعم للحوار الوطني للاستفتاء على تغيير دستور 2013 ، وكانت، "المنظمة الشغيلة"، الاتحاد العام التونسي للشغل أول من رفض المشاركة في هذا الحوار، وهي المؤيد صاحب الثقل للقضاء في معركته مع الرئيس.
صيف ساحن تعيشه تونس، ولكن قد تكون الحرارة في القصر الرئاسي أكبر وتحتاج إلى قرار يحقق الانتصار حتى ولو بغباء لينال هدنة لاستعادة ترتيب الأوراق، وأن يدرك قيس سعيد أن التونسيين وإن لم يجنوا من "ثورتهم" "الحقوق الأربع" كاملة، فإنهم على الأقل نالوا إحداها، وهو "التحرر من الخوف".