وقد أدت الحكومة التونسية اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية في القصر الرئاسي، إيذانا منه ببدء العمل، وإشارة مؤكدة على أن منح الثقة للحكومة لم يعد تحت قبة البرلمان المجمد، منذ احتفالات عيد الجمهورية 2021، الذي سيظل تاريخا هاما قد يحتفل به التونسيون بانهيار "حصان طروادة" الذي كان يحمل بقايا الآمال التوسعية وأحلام بعودة الإمبراطورية العثمانية، التي تهاوت بعد عام، عندما زلزل ملايين المصريين الأرض تحت أقدامهم.
وإذا كانت الأحزاب المتمعشة من وجود تنظيم الإخوان المسلمين في السلطة، يحشدون الحطب تحت قدر الإنقلاب المزعوم، الذي طالما حاولوا تأجيجه عند سقوطهم في مصر، فإن منح القصر الثقة للحكومة الجديدة هو ميلاد دستور جديد ينسف ما سطرته الترويكا عام 2013، وإن لم يعلن رئيس الجمهورية وقف العمل بهذا الدستور الملغم.
خطوة أخرى تثبت أقدام النظام السياسي الجديد في تونس، دون التنصيص عنه في الدستور، ليعلن قيس سعيد أن دستور تونس الجديد مثل نظيره الإنجليزي، دستور يُحفظ ولا يُكتب، نظام لا يشبه سابقه إبان حكم الرئيس الراحل، زين العابدين بن علي، لكنه يحمل ملامح نظام الزعيم الحبيب بورقيبة، وإن كان مجلس نواب الشعب غير متواجد في المشهد .
فالنظام السياسي في تونس يقوم حاليا على حكومة من اختيار القصر، وتأخذ أوامرها من رئيس الجمهورية الذي يمتلك حق طرح القوانين الجديد دون الرجوع إلى نواب عن الشعب، ومن ثم تنفيذ تلك القوانين، مما يعني أن عجلة الإصلاح قد تكون في السرعة القصوى دون تسرع.
وإن كانت محاولات تحريك الشارع ضد القصر وقراراته قد تكون إحدى العصي في عجلة التنمية، إلا أن قيس سعيد يعلم جيدا متى يتحرك ضد هذا الحراك الذي يصفه المتشدقون بالديمقراطية، أنه أحد مكاسب الثورة.
في المجمل فإن ميلاد حكومة برعاية القصر في تونس، هو بمثابة الضوء الذي كسر عتمة نفق كان تنظيم الإخوان المسلمين يقود البلاد داخله إلى المجهول، وإن شاب هذا الضوء بعض التشويش فإنه لشخوص "ذباب" الضوء التي ستنهار قواها وتسقط منهكة بعد فشلها في إطفاءه.