في "الخياطة" تضحك وتحلم تبتسم وتسرح، ممثلة واحدة بأدوات الخياطة، مررت رسائل عديدة في قالب كوميدي ساخر بأدوات الخياطة، وورشة الخياطة، فخلقت عالمها الخاص، غير الرتيب ولا الممل، عالم كله حياة ومعنى، فكانت الرسالة كل إنسان قادر على خلق عالمه الخاص فيه يحلق حالما ويعيش إنسانيته في الحياة.
طيلة ساعة ونيف تقريبا أبدعت بطلة العرض في تشكيل عوالم وشخصيات رمزية بأدوات الخياطة من صوف وقماش ومقص وإبر وكل ما يمكن أن تستعمله الخياطة فشكلت قصة حب بين حبيب وحبيبته، وشكلت علاقة إنسانية مع عصفورها، الذي لا تسكته إلا بتخويفه بصوت القط وشكلت حتى الموت عند موت هذا العصفور، كما شكلت عالما سحريا من خلال مرآتها السحرية التي خلقت توأمها اللدودة...
عرض رائع من كل جوانبه، شركت خلاله بطلتها الجمهور في اللعبة المسرحية أكثر من مرة فاختارت مثلا حبيبا منه عساها تعيش معه لحظات حب...
لقد تميزت الممثلة السويسرية بطاقة كبيرة وبحضور ركحي رائع، ملأت وأقنعت الجميع بلا استثناء، في عمل مسرحي متفرد يأخذ منحى تجربيا في قالب كوميدي، تستحضر خلاله مسرح "الميم" ويأخذك أحيانا إلى الواقعية السحرية على المباشر، دون اشتغال كبير على بهرج الإضاءة، فكسر المخرج كل قيود النمطية والقوالب المسرحية الجاهزة، لكنه اختار ليخيط عرضا بهذه الجمالية "خياطة" ونصف، لتسبح لعبا مسرحيا في ديكور دروس للغاية، كما سبحت في آخر المسرحية معلنة رحلتها إلى عالم آخر، وكل العوالم جميلة.
"الخياطة" السويسرية على المسرح لا تنخرط في لعبة الاعتيادي واليومي بل إنها لعبة خفية تتضمن مجموعة من التمثيليات والكاريكتير وبأنف أحمر وشعر أصفر غير مصفف، تضع نفسها في شكل مهرج وتقوم الخياطة بقطع وتجميع قطع القماش وتلعب مع عالمها وتلتقط الأجزاء المتناثرة من الشخصية التي تنفجر وعلى الجانبين تطوي ظهور عمل وجودي خارج عن المألوف.
حتما لن ينسى الجمهور ما فعلته به المسرحية السويسرية ذات 13 ديسمبر 2019 في أيام قرطاج المسرحية، وكم بعثت فيه من طاقة وأمل، تلك هي مسرحيات غادري هوتر الذي بعد مسرحيات "جين"، و"الغاسلة" و"السكريتيرة" و"الزاحفة الثلجية"، يخيط للجمهور مسرحية "الخياطة"، التي تعالج مهنة الخياطة في قالب مسرحي كوميدي.