لوحات سامي النصري، التي جسدها نور الدين الهمامي والمنجي الورفلي ولزهر فرحاني وسيف الدين الشارني ومحمد شوقي خوجة وناجي الشابي وضو خلف الله، أدت محاكاة لما كان ينتظره الشمال قادما من الجنوب، ضاقت الحلقة أحيانا وكبرت أحيانا أخرى، فتارة يشعرك أن "ملح جنوب تونس" المستنزف، وثرواته، بينما يعيش أهله الخصاصة قادرا على أن يكون أجاج في حلق المستعمر القابع في شمال البلاد، وأن يكون مرارا يمتزج بطعم ما يلتهمه العسكر من لحوم الزنوج المستعبدين.
خاضت شخوص "النصري" في متاهات السلطة وإشكاليات التسلط بين حكم الشعب وحكم العسكر، كما تلاعب بمخيلة المتفرج بين صخب الموسيقى التصويرة، والحركية المفاجئة والسريعة على الركح، وتارة يلهب الحماسة بأهازيج غليان ما يعتمل داخل المستضعفين، حتى تظنه فوران البركان، وأخرى سرعان ما يتحول ضوء الأمل إلى شرارة حريق.
ربما كان المخرجان المصريان يوسف شاهين، وخالد يوسف قد طرحا فكرا موازيا سطحيا في التقديم لكن نبؤته كانت سريعة التحقيق عندما قدم فيلم "هية فوضى" للكاتب ناصر عبد الرحمن، عام 2007، قبل الثورات العربية، لكن "حاتم" أمين الشرطة لدى "يوسف" لم يكن في صلف "عسكر" "النصري" الذي مس قضية العنصرية والتهميش في عمقها من أقاصي الجنوب الأفريقي، إلى الجنوب التونسي.
كما أن العمل المسرحي الذي قدمه "النصري" كان أقرب إلى النخبوية حيث غابت خيوط الفكرة في أحيان كثيرة، حينما كان يحاول تقديم مشهدا متكاملا بين الصوت والصورة والإضاءة والحركية، لتقليص الفارق لدى المتلقي بين التلفزيون والمسرح، لذلك إحتاج الامر منه إلى جمل ربط كانت حركية وموسيقية، لترسيخ الفكرة لدى الجمهور.
لكن في الآن نفسه، حرص سامي النصري على أن يستفز الجمهور لإعادة المشاهدة لـ"القادمون" أكثر من مرة، حتى يعوض المشاهد عجزه عن امتلاك عقلين وأربعة عيون، لاستيعابها من المشاهدة الأولى.
"القادمون" عرضت ضمن فعاليات اليوم الثاني من المهرجان الوطني للمسرح التونسي بالكاف، الذي انطلقت في دورته الأولى يوم 20 سبتمبر، ويستمر إلى 16 أكتوبر2019، وهي من انتاج مركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف.