نثمن ولادة مهرجان النقد العربي في دورته الأولى التي دارت فعالياته من 28 إلى 30 إبريل 2023، الذي أسسته جمعية "التسامح" للإبداع الثقافي تحت إشراف المندوبية الجهوية للثقافة والمحافظة على التراث بسوسة، ونظيرتها للسياحة.
وتقديرا منها لأهمية هذا النوع من المهرجانات التي تفتقر إليها الساحة الثقافية في تونس وفي بعض الدول العربية الشقيقة، وحرصا منا على أن تتواصل التجربة المميزة والفريدة، وتحقيق أهدافها الإنسانية والأدبية والثقافية التي تحافظ على لغتنا العربية و رصيدنا الثقافي غير المادي، فقد رأينا ما يلي:
هذا المهرجان في دورته التأسيسية والأولى ساهم في إبراز مفهوم التسامح في الشعر العربي المعاصر وسلط الضوء على المدونة الأدبية العربية القديمة، ومواكبة الطفرة الإبداعية بشعرها وبنثرها وتعدد أجناسها بمقاربات نقدية عربية حديثة تؤسس لمشروع نقدي عربي بعيدا عن الطرح الغربي .
ان إصرار المشاركون من مختلف الدول أهمية تونس للدول الشقيقة والصديقة كدولة راعية للتسامح والسلام.
كما أوضحت المداخلات التي انتظمت ضمن الجلسات العلمية حاجة الأدب العربي إلى أدب الناشئة والموجه إلى الطفل يزرع روح التسامح ويغذيها.
كذلك كان البرنامج السياحي الموازي فرصة للتعريف بالأماكن الأثرية والسياحية للضيوف الوافدين من الدول الشقيقة .
و من أجل الحفاظ على هذه الإيجابيات التي أفرزتها فكرة حلم في أول ولادة له فإننا نوصي بالتالي:
- المزيد من الدعم المادي والمعنوي واللوجستي من توفير النقل والإقامة المريحة أيام المهرجان للضيوف المشاركين من خارج الوطن ومن خارجه.
- ندعو سلطة الإشراف وكافة المتدخلين تقديم الدعم المادي والمعنوي والاجتماعي لمثل هذه المبادرات التي تؤسس لناشئة تكون عمادا لهذا البلد .
- نوصي بمزيد من الدعم الإعلامي من خلال بعث لجنة إعلامية لهذا المهرجان تقوم بالإعلان عنه في كافة وسائل الإعلام المختلفة.
- توثيق كافة المداخلات والقصائد التي صدرت ضمن هذه الدورة من خلال مجلة أو كتاب جامع لكل دورة يتم الاستدلال به في الدورات القادمة.
- استغلال الفضاءات الإلكترونية وبعث موقع إلكتروني باسم المهرجان لإعطائه مزيد من المصداقية والانتشار.
- إطلاق اسم أديب تونسي على كل دورة من الدورات القادمة.
هذه كانت توصيات ومخرجات الدورة التأسيسية لمهرجان الأول من نوعه في الوطن العربي، حيث كان مهرجان النقد العربي، الذي انعقد على مدار ثلاثة أيام بمدينة سوسة على الساحل التونسي، مولودا، رأى النور على أيدي مثقفين، وأدباء تونسيين وعرب، في لقاء، جمع ولأول مرة عددا من المثقفين في لقاء مباشر مع نقادهم، لتتبلور الرؤى حول مفهوم التسامح في الأدب العربي، وذلك من أجل إيجاد وتوحيد بوصلة عربية لأدب التسامح الموجه للمجتمع بشكل عام، والناشئة بوجه خاص، لإعادة إحياء مجتمع الإنسانية التي غيبتها عوامل عديدة فرضت إيجاد مثل هذه المهرجانات.
مهرجان النقد العربي لم يكن تظاهرة استثمارية، تهدف إلى جمع الأموال من المتابعين، لكن أيضا كانت الوجهة هي الإستثمار، ولكن الإستثمار في الإنسان، وقد استشعرت سلطة الإشراف في تونس أهمية الأهداف فمدت يد الدعم، لجمعية التسامح في الإبداع الثقافي، الباعثة لهذا المهرجان.
بنيت الدورة الأولى على ما يشبه بتكوين الفاعلين في الحقل الثقافي، لما تضمنته فقراتها من محاضرات وجلسات علمية أثثها رجالات الأدب وفرسان القافية من تونس والسعودية والجزائر وليبيا مثل الشاعر والإعلامي رامي لحمر، وهو أحد أفراد الوفد الجزائري الذي ضم: دنيازاد بوراس،الشاعرة والقاصة، وصاحبة صالون دنيازاد الادبي،وجمعية دنيا الابداع الثقافي والادبي لولاية قالمة، ورئيس جمعية "صانعي البسمة" محمد حميري.
والشعراء: عبد الحميد بريك، عادل الجبراني، شكري مسعي، عبد الباسط الشايب.
الجلسات العلمية أديرت بمعرفة إثنين من أكفأ المتخصصين والباحثين في تونس وهما الدكتور مصطفى مدائني، و الدكتور بشير الجلجلي.
وعلى مستوى المداخلات فقد أمنتها الدكتورة آمنة الزميلي، التي تحدثت عن التسامح في أدب الهزل عند الجاحظ
والدكتور حمد حاجي، الذي تحدث عن تقنية الاسترجاع بالسرد العربي و وظائفها في بلورة التسامح الإنساني
والأستاذ عمر دغرير، الذي كانت مداخلته حول أهمية التسامح في الكتابات الموجهة للطفل
اما الشاعر الجزائري رامي لحمر فقد ناقش ظاهرة التسامح في ديوان: خواطر مسافر للشاعرة إبتسام الخميري، مقاربة نقدية الرؤية و التشكيل"
ودكتورة مفيدة الجلاصي وقدمت مداخلة تحت عنوان: "ملامح التسامح كقيمة إنسانية في الفكر الأدبي(من خلال مقولات مختلفة)"،
و مداخلة الدكتور شفيع بالزين(تونس) تحت عنوان "خطاب التسامح في رواية حمام الذهب لمحمد عيسى المؤدب بين التخييل و الحجاج" ،
ومداخلة الأستاذة إبتسام الخميري تحت عنوان "رمزية التسامح في الأدب العربي: شعر نور الدين بن محمود نموذجا"
و مداخلة للأستاذ ياسين بوزلفة (تونس) تحت عنوان: "تقييمنا الذاتي مفتاح أعمالنا".
واستمرت المؤانسات الشعرية على امتداد أيام المهرجان حيث كان المشهد في المركب الثقافي محمد معروف بسوسة، فسيفيساء فنية حيث كانت أمسية قضاها المشاركرن في مراوحة بين معزوفات موسيقية للفنان نبيل عبيد، واشعار لكل من: عبد الله العتيبي(السعودية)، دنيا زاد بوراس (الجزائر)، رامي لحمر (الجزائر)، راضية بصيلة، منير الوسلاتي، عادل الجبراني، سعاد قرقني، مفيدة الجلاصي، حسناء حفظوني، ورئيسة الجلسة فضيلة المسعي وغيرهم من الشعراء التونسيين.
ثلاثة أيام دارت فيها رحى البحث عن أرضية تنطلق منه نخبة المجتمع في رسالتها الإنسانية تأسيا بإبن الرومي والمعري، لتكون كتاباتها بمثابة صلاة في محاريب كافة الدول العربية، ابتهالا من أجل خلق عالم أفضل يسوده التسامح و السلام .
فلا شيء قادر على أن يجعل الظلم عدلا إلى التسامح.