حفل الافتتاح إنطلق من محيط مدينة الثقافة حيث تجمهر عشاق السينما لمشاهد النجوم من ممثلين ومخرجين ومثقفين ونقاد... وهو يمرون في هالات اختلطت فيها الاناقة بالإضاءة فوق السّجاد الاحمر وأمام العدسات وتحت قصف شقشقة آلات التصوير الفوتوغرافي... لم يكن حدث السجاد الاحمر بالنسبة لايام قرطاج السينمائية هدفا في حد ذاته أو مسا من عقيدة المهرجان بقدر ما هو بهار جميل أو فاتحة لما هو أجمل طيلة الفعاليات...
حفل الافتتاح كان الجزء الأساسي في قاعة الاوبرا بمدينة الثقافة والذي انطلق في حدود الساعة السابعة مساء وسط حضور مكثف من العائلة السينمائية التونسية والعديد من الضيوف العرب والافارقة...
وفي كلمة موجزة ورمزية للسيدة وزيرة الشؤون الثقافية حياة قطاط القرمازي أكدت من خلالها أن انعقاد أيام قرطاج السينمائية خلال هذه السنة هو شكل من أشكال عودة الحياة الطبيعية في تونس بعد جائحة كورونا مشيرة أن ذلك ما كان ليكون لو لا صبر وارادة التونسيين ، وبينت السيدة وزيرة الشؤون الثقافية أن هذه التظاهرة مستمرة على الدرب الذي وضعه جيل التأسيس منذ أكثر من نصف قرن وهو درب سينما الجنوب وسينما النضال والالتزام بقضايا الشعوب... وأوضحت السيدة حياة قطاط أن الجمهور هو أحد مصادر قوة هذه التظاهرة بالتفافه حولها ونقدها بصدق والمطالبة بتطويرها دون الانزياح عن هويتها...
أما المخرج رضا الباهي مدير عام الدورة 32 لايام قرطاج السينمائية وضمن كلمة سهرة الافتتاح فقد اتسم بالسماحة والعاطفة السينمائية مشيرا أن فريق العمل واجه عدة تحديات وصمد أمام الصعوبات وحقق نجاحات عديدة وذلك بفضل وصفة سرية بسيطة وهي عشق المهرجان وعشق السينما... واوضح رضا الباهي أن المهرجان ثابت بأصله وبإنفتاحه على المستقبل . وفي حديثه عن السينما التونسية بين المخرج رضا الباهي أن هذه السينما قوية ولا زالت بصناعها من مختلف الاجيال الذين ينهلون من نفس المبادئ وقوية أيضا بجمهورها التاريخي...
الحفل أداره باقتدار الممثل والمخرج والمنتج السينمائي التونسي نجيب بالقاضي الذي رحّب بالحضور المتنوع بطريقته الخاصة مشاكسا صنّاع المحتوى على شبكة التواصل الاجتماعي " أنستغرام " اللذين لا يفوتون فرصة المرور على السجاد الاحمر من أجل تعزيز نجوميتهم... مشيرا أن الدورة32 هي دورة عودة المسابقة الرسمية وعودة الحياة الى الثقافة و السينما ، ودعا بلقاضي جمهور السينما الى الحضور بكثافة من أجل دعم الفاعلين السينمائيين الذين تضرروا في السنوات الاخيرة جراء جائحة كورونا.. " نحبو نرجعو نتنفسو، نحبو نرجعو نحلمو، نحبو نرجعو للسينما"...
نجيب بلقاضي لم ينس مشاكسات " شمس عليك " بقناة الافق " وهو يرحب ببعض الوجوه السينمائية الحاضرة في حفل الافتتاح على غرار الممثلة المصرية " نيللي كريم " والممثل التونسي "نضال السعدي " والمخرج التونسي " فريد بوغدير " صاحب تانيت الأيام سنة1990...
خلال حفل الافتتاح قدّم نجيب بلقاضي لجان التحكيم لمختلف مسابقات الأفلام الروائية والوثائقية الطويلة و القصيرة ودعاهم للصعود على الركح واشار إشارة مخصوصة للمسابقة المستحدثة التي تحمل اسم المناضلة الحقوقية الراحلة " لينا بن مهني " وتتكون لجنة تحكيم هذه المسابقة من الفرنسية " سارة بارتو " والحقوقية التونسية "بشرى بلحاج حميدة " والاستاذ "هشام بن فرج " . كما تم تكريم عدد من الفاعلين السينمائيين اعترافا بمنجزهم الفني وتقديرا لمسيراتهم المتوجة في عالم السينما باسنادهم التانيت الرمزي لأيام قرطاج السينمائية وهم المنتج والموزع اللبناني " الصادق أنور الصبّاح " والممثل التونسي " البحري الرحالي " والصحفي والناقد السينمائي التونسي " خميس الخياطي " الذي قال كلمة عميقة صفق لها جمهور قاعة الأوبيرا طويلا : " لأول مرة أشعر أنني أنتمي الى هذا البلد... " و الممثلة التونسية " شاكرة الرماح " والقيّافة " هاجر بوحوالة " و الشاف ماشينيست التونسي " حسن التبّي".
حفل الافتتاح احتفى " بالكمبارس " أولئك المنسيين الذين يرى جهدهم رغم أهميته وتم تقديم لوحة تمثيلية تكريما للعابرين خلف المشاهد وحذوها وقربها..
أما مفاجأة حفل الافتتاح فتمثلت في حضور النجمة السينمائية التونسية والعربية هند صبري " التي أصرت حضور لحظات تكريم المخرجة الراحلة مفيدة التلاتلي التي غادرتنا في 7 فيفري 2020 ، هند صبري وهي تذاكر بداياتها مع مفيدة التلاتلي غمرتها العبرات وهي تتحدث عن الجانب الإنساني في شخصية هذه المخرجة الفذة التي طبعت السينما التونسية بروح خاصة سترافقها الى الابد ، وبينت هند صبري أن المعلمة مفيدة التلاتلي كانت تشارك كل الفريق العامل معها أحاسيسهم الانسانية فلا تغفل عليهم وتقترب منهم وكانت دائما ما تردد أمامهم قولتها الشهيرة " السينما ليست سوى قصة حب ومشاركة"
لم يكن حفل الافتتاح سوى مقدمة لدورة أخرى من دورات المهرجان السينمائي الاعرق في العالم العربي والقارة الافريقية والتي تمتد الى غاية 6 نوفمبر 2021 وتقدم 750 فيلما عربيا وافريقيا ومن مختلف بلدان العالم ضمن الاقسام 11 للمهرجان.
فيلم سهرة الافتتاح
" لينغي.. الروابط المقدسة " للمخرج التشادي محمد صالح هارون.. أو عندما تغامر الكاميرا في أرض المسكوت عنه...
" لينغي.. الروابط المقدسة " للمخرج التشادي المقيم بفرنسا محمد صالح هارون كان هو شريط سهرة افتتاح الدورة 32 لأيام قرطاج السينمائية تكريما للسينما الافريقية وللمخرج الأكثر حضورا وتمثيلية لسينما القارة السمراء خلال العشرية الاخيرة في مختلف التظاهرات والمهرجانات السينمائية الدولية.
" لينغي .. الروابط المقدسة " صدر سنة 2021 وكانت له مشاركة متميزة لفتت أقلام النقاد السينمائيين في الدورة الاخيرة لمهرجان " كان " السينمائي بفرنسا وهو يطرح قضية شائكة بالمجتمع التشادي وبالمجتمعات الاسلامية عامة وهي قضية الاجهاض...
المخرج " محمد صالح هارون " يخط بكاميراه الذكية دراما تشادية لكنها ذات جذور وعاطفة انسانية كبيرة تجعل من المتفرج ، أي متفرج في لحظات تعاطف قصوى مع البطلة العزلاء في صحراء مجتمع تقليدي... فالطفلة المراهقة أمينة ذات 15 ربيعا والتي تعيش في احدى الضواحي الفقيرة للعاصمة التشادية نجامينا تفاجأت بحملها وهي بعد تلميذة ومن هنا تبدأ ماساتها النفسية لكن إرادة الام ماريّا وتعاطفها مع ابنتها وصلابتها أمام تقاليد المجتمع وقوانين البلد يضعان الكاميرا على سكة النضال فمحمد صالح هارون من وراء فكرة الشريط يطرح قضية ساخنة لم تحسم بعد في أغلب المجتمعات الاسلامية والافريقية...
" لينغي.. الروابط المقدسة " كتابة عاتية وذكية بالكاميرا لمشغل مجتمعي من خلال تركيزها على الملامح والارتعاشات التي تبدو على ملامح الابطال والسكون الذي يبدو في آفاق أغلب المشاهد في بلد إفريقي يحاول النهوض لكن الازمات الاقتصادية والاجتماعية و السياسية تعوقه وترهقه وتشده شدا الى الوراء...
مخرج شريط الافتتاح التشادي محمد صالح هارون يعتبر من المخرجين الافارقة المثابرين ثقافيا وسينمائيا فهو أصدر شريطه الطويل الاول " وداعا افريقيا " سنة 1998 وله تتويجات مهمة نذكر منها " جائزة لجنة التحكيم " بمهرجان البندقية السينمائي سنة 2006 عن شريطه الروائي الطويل " دارات " وأيضا " جائزة لجنة التحكيم " بمهرجان كان السينمائي سنة 2010 عن شريطه الروائي الطويل " الرجل الذي يصرخ"...
وللمخرج محمد صالح هارون شريطا وثائقيا حول شخصية سياسية جدلية وحورية في تاريخ التشاد المعاصر وهو " حسين حبري " وهارون يعتبر هذا العمل الوثائقي تراجيديا ضرورية لبلده وقد أصدره سنة2016 .